التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ١١٠
" ثم استوى على العرش " (1) معناه ثم استوى تدبيره بتقدير القادر عليه. وقيل إن الاستوى بمعنى الاستيلاء، كما قال الشاعر:
ثم استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق (2) فاما الاستواء عن اعوجاج فمن صفات الأجسام لا يجوز ذلك على الله تعالى. وقوله " ثم استوى إلى السماء " يفيد انه خلق السماء بعد خلق الأرض وخلق الأقوات فيها، ولا ينافي ذلك قوله " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها " إلى قوله (والأرض بعد ذلك دحاها) (3) لان ذلك يفيد أن الأرض كانت مخلوقة غير مدحوة، فلما خلق الله السماء دحا بعد ذلك الأرض فبسطها، وإنما جعل الله السماوات أولا دخانا ثم سبع سماوات طباقا ثم زينها بالمصابيح، لما في ذلك من الدلالة على أن صانعها وخالقها ومدبرها ليس كمثله شئ من الموجودات غني عن كل شئ سواه، وإن كل ما سواه يحتاج إليه من حيث إنه قادر لنفسه لا يعجزه شئ، عالم لنفسه لا يخفى عليه شئ. و (الدخان) جسم لطيف مظلم، فالله تعالى خلق السماوات أولا دخانا ثم نقلها إلى حال السماء من الكثافة والالتئام لما في ذلك من الاعتبار واللطف لخلقه.
وقوله (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا اتينا طائعين) قال ابن عباس أتت السماء بما فيها من الشمس والقمر والنجوم وأتت الأرض بما فيها من الأنهار والأشجار والثمار، وليس هناك أمر بالقول على الحقيقة ولا إطاعة، ولا

(1) سورة 7 الأعراف آية 53 وسورة 10 يونس آية 3 وسورة 13 الرعد آية 2 وسورة 25 الفرقان آية 59 وسورة 32 ألم السجدة آية 4 وسورة 57 الحديد آية 4 (2) مر في 1 / 125 و 2 / 396 و 4 / 452 و 5 / 386 (3) سورة 79 النازعات آية 30
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»
الفهرست