التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٥٥٧
وقيل في معناه قولان:
أحدهما - لهم عذاب شديد يوم الحساب بما تركوا طاعاته في الدنيا، فعلى هذا يكون يوم الحساب متعلقا ب‍ (عذاب شديد) وهو قول عكرمة والسدي:
الثاني - قال الحسن " لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " أي بما اعرضوا عنه، صاروا بمنزلة الناسي، فيكون على هذا العامل في (يوم) قوله " نسوا ".
ثم اخبر تعالى انه لم يخلق السماء والأرض وما بينهما باطلا، بل خلقهما وما بينهما بالحق لغرض حكمي، وهو ما في ذلك من إظهار الحكمة وتعريض أنواع الحيوان للمنافع الجليلة وتعويض العقلاء لمنافع الثواب، وذلك يفسد قول المجبرة الذين قالوا: إن كل باطل وضلال من فعل الله. وقوله " ذلك ظن الذين كفروا " معناه إن خلق السماء والأرض وما بينهما باطلا ظن من يكفر بالله ويجحد وحدانيته وحكمته، ثم توعد من هذه صفته فقال " فويل للذين كفروا من النار " ثم قال على وجه التوبيخ والتقريع للكفار بلفظ الاستفهام " أم نجعل الذين آمنوا... " معناه هل نجعل الذين صدقوا بالله وأقروا برسله وعملوا الصالحات مثل الذين أفسدوا في الأرض وعملوا بالمعاصي؟!
أم هل نجعل الذين اتقوا معاصي الله خوفا من عقابه كالفجار الذين عملوا بمعاصيه وتركوا طاعته؟! فهذا لا يكون ابدا. وكيف يكون كذلك وهؤلاء يستحقون الثواب بطاعتهم وأولئك يستحقون العقاب بمعاصيهم. وقال أبو عبيدة: ليس لها جواب استفهام فخرجت مخرج الوعيد. وقال الزجاج:
تقديره، أنجعل الذين آمنوا وعموا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار، فهو استفهام بمعنى التقرير.
(٥٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 552 553 554 555 556 557 558 559 560 561 562 ... » »»
الفهرست