التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ١٨٧
وقال الربيع: ألا يؤذوا ولا يقتلوا؟!
ثم اقسم تعالى انه فتن الذين من قبلهم " فليعلمن الله الذين صدقوا " في ايمانهم " وليعلمن الكاذبين " فيه. وإنما قال " فليعلمن " مع أنه للاستقبال والله تعالى عليم فيما لم يزل، لحدوث المعلوم فلا تصح الصفة إلا على معنى المستقبل إذ لا يصلح ولا يصح لم يزل عالما بأنه حادث، لانعقاد معنى الصفة بالحادث، وهو إذا حدث علمه تعالى حادثا بنفسه. وقيل: معنى " وليعلمن الله الذين صدقوا " ليجازيهم بما يعلم منهم. وقيل: معناه يعلم الله الذين صدقوا في أفعالهم، كما قال الشاعر:
[ليث بعثر يصطاد الرجال] إذا * ما الليث كذب عن أقرانه صدقا (1) وقال ابن شجرة " فليعلمن الله " معناه فليظهرن الله لرسوله صدق الصادق.
وقال النقاش: معناه فليميزن الله الصادقين من الكاذبين. وهو قول الجبائي.
ثم قال تعالى ممددا لخلقه " أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا " اي أيظن الذين يفعلون القبائح والمعاصي ان يفوتونا؟! كما يفوت السابق لغيره.
ثم قال " ساء ما يحكمون " اي بئس الشئ الذي يحكمون بظنهم. انهم يفوتونا.
ثم قال " من كان يرجوا لقاء الله " أي من كان يأمل لقاء ثواب الله.
وقال سعيد بن جبير والسدي: معناه من كان يخاف عقاب الله، كما قال الشاعر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها (2) أي لم يخف ف‍ (من) رفع بالابتداء، وخبرها (كان) وجواب الجزاء كقولك زيد إن كان في الدار فقد صدق الوعد. وقوله " فان أجل الله

(1) قائله زهير بن أبي سلمى ديوانه: 43 (2) قد مر تخريجه في 2 / 210 و 3 / 315 و 7 / 491
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»
الفهرست