التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٤٤٣
ومثله جار وجيرة، ويجمع أيضا على (اقواع، وقيعان)، والشعاع بالقاع يتكثف فيرى كالماء، فإذا قرب منه صاحبه انفش كالضباب، فلم يرده شيئا، كما كان. وقال ابن عباس: القيعة الأرض المستوية. والمعنى: إن الكافر لم يجد شيئا على ما قدر.
وقوله " ووجد الله عنده فوفاه حسابه " والمعنى ان الذي قدره من جزاء أعماله لا يجده، ويعلمه الله عند عمله فيوفيه جزاءه على سوء أفعاله.
وقوله " والله سريع الحساب " أي سريع المجازاة، لان كل ما هو آت سريع قريب. وقال الجبائي:، لأنه تعالى يحاسب الجميع في وقت واحد، وذلك يدل على أنه لا يتكلم بآلة. وانه ليس بجسم، لأنه لو كان متكلما بآلة لما تأتى ذلك إلا في أزمان كثيرة.
ثم شبه الله تعالى أفعال الكافر بمثال آخر، فقال " أو كظلمات في بحر لجي " أي افعاله مثل ظلمات، يعني ظلمة البحر وظلمة السحاب، وظلمة الليل، لان الكافر حاله ظلمة، واعتقاده ظلمة، ومصيره إلى ظلمة، وهو في النار يوم القيامة نعوذ بالله منها. وتلخيص الكلام أن اعمال هؤلاء الكفار كالسراب يحسبه الظمآن - من بعد - ماء يرويه حتى إذا دنى منه لم يجده شيئا أي حتى إذا مات لم يجد عمله شيئا لأنه بطل بكفره، ووجد الله عند عمله يجازيه عليه. ثم ضرب مثلا آخر فقال أو كظلمات يعني انه في حيرة من كفره مثل هذه الظلمات " ومن لم يجعل الله له نورا " في قلبه ويهديه به " فما له من نور " يهتدي به.
وقوله " في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض " مبالغة في تشبيه هذه الأفعال بالظلمات المتكاثفة على ما وصفه الله تعالى، ولجة البحر معظمة، الذي تتراكب فيه أمواجه لا يرى ساحله. والظلمات مثل التحير، والتحير الجهل الذي يغشى القلب. وقوله " حتى إذا أخرج يده لم يكد يراها " إنما قال لم يكد يراها مع أنه
(٤٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 ... » »»
الفهرست