التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٥٥
يجوز أن تكون الكناية من أول الكلام إلى آخره راجعة إلى آدم وحواء.
فان قيل: فعلى هذا فأي تعلق لقوله " فتعالى الله عما يشركون " بذلك.
وكيف ينزه نفسه عن أن يطلب منه ولد آخر؟!
قلنا: لم ينزه نفسه عن ذلك وإنما نزهها عن الاشراك به، ليس يمتنع ان يقطع هذا الكلام عن حكم الأول، لأنه قال بعد ذلك " أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون " فنزه نفسه عن هذا الشرك دون ما تقدم.
فأما الخبر المدعى في هذا الباب، فلا يلتفت إليه، لان الاخبار تبنى على أدلة العقول، فإذا علمنا بدليل العقل ان الأنبياء لا يجوز عليهم المعاصي تأولنا كل خبر يتضمن خلافه أو أبطلناه، كما نفعل ذلك بأخبار الجبر والتشبيه. على أن هذا الخبر مطعون في سنده، لأنه يرويه قتادة عن الحسن عن سمرة، وهو مرسل، لان الحسن لم يسمع من سمرة شيئا - في قول البغداديين - ولان الحسن قال بخلاف ذلك فيما روى عنه عروة - في قوله عز وجل " فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما " قال هم المشركون. ويعارض ذلك ما روي عن سعيد بن جبير وعكرمة والحسن وغيرهم: من أن الشرك غير منسوب إلى آدم وزوجته، وأن المراد به غيرهما على أن في الخبر أشركا إبليس اللعين فيما ولد لهما بأن سمياه عبد الحرث، والآية تقضي انهم أشركوا الأصنام التي لا تخلق وهي تخلق، والتي لا تستطيع ضرا ولا نفعا وليس لإبليس في الآية ذكر، ولو كان له ذكر لقال أتشركون من. وقال في آخر القصة " ألهم أرجل يمشون بها.. " وكذا، ولا يليق ذلك بإبليس. ويقوي ان الآية مصروفة عن ادم إلى ولده أنه قال " فلما تغشاها " ولو كان منسوقا على النفس الواحدة لقال فلما تغشتها، لان ذلك هو الأجود والأفصح وإن جاز خلافه.
وحكي البلخي عن قوم انهم قالوا: لو صح الخبر لم يكن في ذلك الا إشراكا في التسمية، وليس ذلك بكفر ولا معصية كبيرة، وذهب إليه كثير من المفسرين واختاره الطبري.
(٥٥)
مفاتيح البحث: سعيد بن جبير (1)، الجواز (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»
الفهرست