الله ويقوي ذلك قوله تعالى " فتعالى الله عما يشركون " فلو كانت الكناية عن آدم وحواء لقال عما يشركان. وإنما أراد تعالى الله عما يشرك هذان النوعان أو الجنسان وجمعه على المعنى. وقد ينتقل الفصيح من خطاب إلى خطاب غيره. ومن كناية إلى غيرها. قال الله تعالى " إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله " (1) فانصرف من مخاطبة الرسول إلى المرسل إليهم ثم قال " وتعزروه وتوقروه " (2) يعني الرسل ثم قال " وتسبحوه " يعني الله تعالى، قال الهذلي:
يا لهف نفسي كان جده خالد * وبياض وجهك للتراب الأعفر (3) ولم يقل وبياض وجهه. وقال كثير:
اسئ بنا أو احسني لا ملومة * لدنيا ولا مقلية إن تقلت (4) فخاطبها ثم ترك الخطاب. وقال الآخر:
فدى لك ناقتي وجميع أهلي * ومالي إنه منه آتاني ولم يقل منك اتاني. وليس لاحد ان يقول كيف يكني عمن لم يجر له ذكر، وذلك أن لنا عنه جوابين:
أحدهما - انه يجوز ذلك إذا دل الدليل عليه، كما قال " حتى توارت بالحجاب (5) ولم يتقدم للشمس ذكر. وقال الشاعر:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى * إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر (6) ولم يتقدم للنفس ذكر.
والجواب الثاني - انه تقدم ذكر ولد آدم في قوله " هو الذي خلقكم من نفس واحدة " وأراد بذلك جميع ولد آدم، وتقدم أيضا في قوله " فلما آتاهما صالحا "