وقوله تعالى: " واشهدهم على أنفسهم " يعني عند البلوغ وكمال العقل وعندما عرفوا ربهم فقال لهم على لسان بعض أنبيائه " الست بربكم "؟ فقالوا: بلى شهدنا بذلك وأقررنا به لأنهم كانوا بالله عارفين انه ربهم.
وقوله تعالى " ان تقولوا إنا كنا عن هذا غافلين " معناه لئلا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين فأراد بذلك اني انا قررتكم بهذا لتواظبوا على طاعتي وتشكروا نعمتي ولا تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين.
وقوله تعالى " أو تقولوا إنما اشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم " فنشأنا على شركهم فتحتجوا يوم القيامة بذلك، فبين انى قد قطعت بذلك حجتكم هذه بما قررتكم به من معرفتي وأشهدتكم على أنفسكم باقراركم وبمعرفتكم إياي.
وقوله " أفتهلكنا بما فعل المبطلون " من آبائنا. وهذا يدل على أنها مخصوصة في قوم من بني آدم وانها ليست في جميعهم، لان جميع بني آدم لم يؤخذوا من ظهور بني آدم لان ولد آدم لصلبه لا يجوز ان يقال: إنهم اخذوا من ظهور بني آدم فقد خرج ولد آدم لصلبه من ذلك وخرج أيضا أولاد المؤمنين من ولد آدم الذين لم يكن آباؤهم مشركين، لأنه بين ان هؤلاء الذين أقروا بمعرفة الله واخذ ميثاقهم بذلك كان قد سلف لهم في الشرك آباء. فصح بذلك انهم قوم مخصوصون من أولاد آدم.
فأما ما روي أن الله تعالى اخرج ذرية آدم من ظهره واشهدهم على أنفسهم وهم كالذر، فان ذلك غير جائز لان الأطفال فضلا عمن هو كالذر لا حجة عليهم، ولا يحسن خطابهم بما يتعلق بالتكليف، ثم إن الآية تدل على خلاف ما قالوه.
لان الله تعالى قال " وإذ اخذ ربك من بني آدم " وقال " من ظهورهم " ولم يقل من ظهره. وقال " ذريتهم " ولم يقل ذريته، ثم قال " أو تقولوا إنما اشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون " فأخبر ان هذه الذرية قد كان قبلهم آباء مبطلون وكانوا هم بعدهم.