التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٢٩
على أن راوي هذا الخبر سليمان بن بشار الجهني، وقيل مسلم بن بشار عن عمر بن الخطاب وقال يحيى بن معين: سليمان هذا لا يدري أين هو. وأيضا فتعليل الآية يفسد ما قالوه. لأنه قال: فعلت هذا لئلا يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين والعقلاء اليوم في دار الدنيا عن ذلك غافلون.
فان قيل نسوا ذلك لطول العهد أو لان الزمان كان قصيرا كما يعلم الواحد منا أشياء كثيرة ضرورة ثم ينساها كما ينسى ما فعله في امسه وما مضى من عمره.
قلنا إنما يجوز ان ينسى مالا يتكرر العلم به ولا يشتد الاهتمام به، فأما الأمور العظيمة الخارقة للعادة، فلا يجوز ان ينساها العاقل. الا ترى ان الواحد منا لو دخل بلاد الزنج ورأي الافيلة ولو يوما واحدا من الدهر لا يجوز ان ينسى ذلك حتى لا يذكره أصلا مع شدة اجتهاده واستذكاره؟ ولو جاز ان ينساه واحد لما حاز ان ينساه الخلق بأجمعهم. ولو جوزنا ذلك للزمنا مذهب التناسخ وان الله كان قد كلف الخلق فيما مضى وأعادهم، إما لينعمهم أو ليعاقبهم. ونسوا ذلك. وذلك يؤدي إلى التجاهل.
على أن أهل الآخرة يذكرون ما كان منهم من أحوال الدنيا ولم يجب ان ينسوا ذلك لطول العهد، ولا المدة التي مرت عليهم وهم أموات وكذلك أصحاب الكهف لم ينسوا ما كانوا فيه قبل نومهم لما انتبهوا مع طول المدة في حال نومهم، فعلمنا ان هؤلاء العقلاء لما كانوا شاهدوا ذلك وحضروه وهم عقلاء لما جاز ان يذهب عنهم معرفة ذلك لطول العهد، ولوجب أن يكونوا كذلك عارفين.
وقال قوم وهو المروي في أخبارنا إنه لا يمنع أن يكون ذلك مختصا بقوم خلقهم الله وأشهدهم على أنفسهم بعد ان أكمل عقولهم وأجابوه ب‍ (بلى)، وهم اليوم يذكرونه ولا يغفلون عنه، ولا يكون ذلك عاما في جميع العقلاء وهذا وجه أيضا قريب يحتمله الكلام.
وحكى أبو الهذيل في كتابة الحجة: أن الحسن البصري وأصحابه كانوا
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست