التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ١٧
اخبر الله تعالى عن هؤلاء العصاة الذين عصوا بصيد السمك في السبت، ونهوا فلم ينتهوا ووعظوا فلم يتعظوا، وأنه أنزل عليهم العذاب الشديد، فلما عتوا عما نهى الله وتمردوا في معصيته مسخهم الله قردة خاسئين.
والعاتي الشديد الدخول في الفساد المتمرد الذي لا يقبل موعظة. والعتو الخروج إلى الجرأة على أفحش الذنوب. وقوله " خاسئين " معناه مبعدين من قولهم خسأت الكلب إذا أقصيته فخسأ أي بعد. وقال الحسن معناه صاغرين، وقال: إن أهل المسخ يتناسلون. وقال ابن عباس: لا يتناسلون، وأجاز الزجاج كلا الامرين.
وسئل أبو مالك: أكانت القردة والخنازير قبل ان يمسخوا؟ قال: نعم وكانوا فيما خلق الله من الأمم. وقول ابن عباس أصح، لان المعلوم أن القردة ليست من ولد آدم كما أن الكلاب ليست من ولد آدم. قال قتادة: صاروا قردة لها أذناب تعاوي بعد ما كانوا نساء ورجالا.
وقوله تعالى: " كونوا قردة " صيغته صيغة الامر والمراد به الاخبار: من أنه جعلهم قردة على وجه يسهل عليه ولم يتعب به ولم ينصب كما قال تعالى: " إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " (1). وقال " ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " (2) ولم يكن هناك أمر لأنه تعالى لا يأمر المعدوم، وإنما هو إخبار عن تسهيل الفعل، وأجاز الزجاج أن يكون قيل لهم ذلك بكلام سمعوه فيكون ذلك أبلغ في الآية النازلة بهم لما يدل على وقوع الأول الذي تبعه الثاني. وليس كذلك إذا قلت: لما جاء المطر خرج النبات، وقوله تعالى " ولو ردوا لعادوا " فلا يقع الرد أصلا.
قوله تعالى:
وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيمة من

(1) سورة 16 النحل آية 40 (2) سورة 41 حم السجدة (فصلت) آية 11
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»
الفهرست