التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٩٦
الشرك. وقوله " اني أعظك أن تكون من الجاهلين " فالوعظ الزجر عن القبيح بما يدعوا إلى الجهل على وجه الترغيب والترهيب. والصحيح أن الجهل قبيح على كل حال. وقال الرماني: إنما يكون قبيحا إذا وقع عن تعمد، فاما إذا وقع غلطا أو سهوا لم يكن قبيحا ولا حسنا. وهذا ليس بصحيح، لان استحقاق الذم عليه يشرط بالعمد فاما قبحه فلا كما نقوله في الظلم سواء.
قوله تعالى:
قال رب إني أعوذ بك أن أسئلك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين (47) آية في هذه الآية اخبار عما قاله نوح عليه السلام حين عرفه الله حال ولده وأنه لا يستحق الغفران ووعظه بان يكون من الجاهلين، فإنه قال " اني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم " فالعياذة طلب النجاة بما يمنع من الشر، يقال: عاذ يعوذ عوذا وعياذا فهو عائد بالله. والعياذ الاعتصام بما يمنع من الشر. والمعنى اني أعتصم بك أن أسألك ما لا أعلمه، وإنما اعتصم من ذلك، لان ما يعلمه الانسان يجوز أن يكون حسنا ويجوز كونه قبيحا. ولا يحسن أن يسأل ما يجوز كونه قبيحا وان شرط حسن السؤال. وينبغي أن يشرط إن كان ما سأله حسنا فيحسن السؤال حينئذ. وقال الرماني: لا يحسن أن تسال فتقول: اللهم أحيي أقاربي في دار الدنيا على ما يصح ويجوز. لأنه قد دل الدليل على أن ذلك لا يحسن في الحكمة فلا يجوز أن يسأله بحال. وإنما جاز اطلاق " ما ليس لي به علم " مع أنه قد علمه سؤالا. لان هذا العلم لا يعتد به لان المراد علم ماله أن يسأله إياه.
وإنما حذفت (يا) من قوله " رب اني أعوذ بك " وأثبته في قوله " يا نوح " لان ذلك نداء تعظيم. وهذا نداء تنبيه فوجب أن يأتي بحرف التنبيه. وقوله (به)
(٤٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 » »»
الفهرست