التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٨
وقيل: معناه كأنك فرح بسؤالهم عنها. وقيل: معناه كأنك أكثرت السؤال عنها ذكره مجاهد. يقال حفيف بفلان في المسألة إذا سألته سؤالا أظهرت فيه المحبة والبر، قال الشاعر:
سؤال حفي عن أخيه كأنه * بذكرته وسنان أو متواسن (1) ويقال: احفى فلان بفلان في المسألة إذا أكثر عليه. ويقال: حفيت الدابة تحفى حفا مقصورا إذا أكثر عليها ألم المشي، والحفاء - ممدودا - المشي بغير نعل.
ثم امر الله نبيه ان يقول " إنما علمها عند الله " اي لا يعلمها إلا الله.
وقوله تعالى " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " معناه أكثر الناس لا يعلمون ان ذلك لا يعلمه إلا الله، ويظنون انه قد يعلمه الأنبياء وغيرهم من خلقه. وقال الجبائي معناه " لكن أكثر الناس لا يعلمون " لم اخفى الله تعالى علم ذلك على التعيين على الخلق. والوجه فيه انه ازجر لهم عن معاصيه لأنهم إذا جوزوا في كل وقت قيام الساعة وزوال التكليف كان ذلك صارفا لهم عن فعل القبيح خوفا من فوات وقت التوبة. وقوله في أول الآية " قل إنما علمها عند ربي " يعني علم وقت قيامها. وقوله في آخرها " قل إنما علمها عند الله " معناه علم كيفيتها وشرح هيئتها وتفصيل ما فيها لا يعلمه إلا الله، فلا تكون تكرارا لغير فائدة.
وقال قتادة الذين سألوا عن ذلك قريش. وقال ابن عباس: هم قوم من اليهود وقال الفراء: في الآية تقديم وتأخير وتقديرها يسألونك عنها كأنك حفي بهم.
قال الجبائي وفي الآية دليل علي بطلان قول الرافضة من أن الأئمة معصومون منصوص عليهم واحدا بعد الاخر إلى يوم القيامة، لان على هذا لابد أن يعلم آخر الأئمة أن القيامة تقوم بعده ويزول التكليف عن الخلق، وذلك خلاف قوله " قل إنما علمها عند الله ".

(١) قائله المعطل الهذلي. ديوانه ٣ / ٤٥ وتفسير الطبري ١٣ / ٣٠١ (طبعة دار المعارف) و 9 / 142 الطبعة الثانية.
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست