قال أبو علي الفارسي: في قراءة أبي عمرو (ما) يرفع بالابتداء، وجئتم به في موضع الخبر والكلام استفهام، لان الكلام يستقبل بقوله جئتم به. ولو كانت موصولة احتاج إلى خبر آخر. وهذا الاستفهام المراد به التقرير كما، قال " أأنت قلت للناس " (1) لان موسى كان عالما بأن ذلك السحر. وإنما ألحق الف الاستفهام بقوله " السحر " لان السحر بدلا من " ما " المبتدأ ولزم ان يلحق السحر الاستفهام ليساوي المبدل منه في أنه استفهام، الا ترى انه ليس في قولك السحر استفهام وعلى هذا قالوا كم مالك أعشرون أم ثلاثون، فجعلت العشرون بدلا من كم فألحقت أم لأنك في قولك كم درهما مالك، مدع ان له مالا. ومن قرأ على الخبر جعل (ما) موصولة (وجئتم به السحر) صلة، والهاء مجرورة عائدة على الموصول والسحر خبر المبتدأ الذي هو الموصول. وحكى الفراء: انه دخل الألف واللام في في قوله " السحر " للعهد، لأنهم قالوا لما اتى به موسى إنه سحر، قال موسى ما جئتم به فهو من السحر. وفي قراءة اني ما جئتم به سحر بلا الف ولام. ومن قرأ بالاستفهام جعل (ما) في قوله " ما جئتم به " للاستفهام. ومن قرأ على الخبر جعل (ما) بمعنى الذي وفسرت (ما) بالواحد في السحر. لان المعنى عليه، وإنما ذكر للتوبيخ كقولك ما صنعت الفساد.
حكى الله تعالى انه لما ألقى السحرة سحرهم قال لهم موسى: الذي جئتم به السحر فمن قرأ على الخبر، واي شئ جئتم به السحر مقررا لهم ثم اخبر ان الله سيبطل هذا السحر الذي فعلتموه " ان الله لا يصلح عمل المفسدين " فالاصلاح تقديم العمل على ما ينفع بدلا مما يضر. والصلاح استقامة العمل على هذا الوجه.
والافساد تعويج العمل إلى ما يضر بدلا مما ينفع. والفساد اضطراب العمل على هذا الوجه. والصلاح مضمن بالنفع لأنه إذا أضيف ظهر معنى النفع فيه كقولك صلاح لزيد، وهو أصلح له اي انفع له وإن كان فيه فساد على غيره.