التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٢٥٦
بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (71) آية في الكوفي والبصري وآيتان في المدنيين آخر الأولى " وثمود " قوله " ألم " صورته صورة الاستفهام، والمراد به التقرير والتحذير. وإنما حسن في الاستفهام أن يخرج إلى معنى التقرير لان الاحتجاج بما يلزمهم الاقرار به فقال الله تعالى مخاطبا لنبيه: ألم يأت هؤلاء المنافقين الذين وصفهم خبر من كان قبلهم من قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين، على وجه الاحتجاج عليهم فيتعظوا، لان الأمم الماضية والقرون السالفة إذا كان الله تعالى إنما أهلكها ودمرها لتكذيبهم رسلها كانت ذلك واجبا في كل أمة يساوونهم في هذه العلة، فأقل أحوالهم ألا يأمنوا أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك. قال الرماني: والحكمة تقتضي إذا تساوى جماعة في استحقاق العقاب ان لا يجوز العفو عن بعضهم دون بعض مع تساويهم في الأحوال. وإنما يجوز العدول من قوم إلى قوم في الواحد منا للحاجة وهذا يتم على قول من يقول بالأصلح، ومن لا يقول بذلك يقول: هو متفضل بذلك وله ان يتفضل على من يشاء ولا يلزم ان يفعل ذلك بكل مكلف.
وقوله " والمؤتفكات " قال الحسن وقتادة: هي ثلاث قريات لقوم لوط ولذلك جمعها بالألف والتاء. وقال في موضع آخر " والمؤتفكة أهوى " (1) فجاء به على طريق الجنس. قال الزجاج: معناه ائتفكت بأهلها انقلبت. ومدين ابن إبراهيم اسم له. وقوله " أتتهم رسلهم بالبينات " معناه جاءت هؤلاء المذكورين الرسل من عند الله معها حجج ودلالات على صدقها فكذبوا بها فأهلكهم الله، وحذف لدلالة الكلام عليه. ثم قال " فما كان الله ليظلمهم " اي لم يكن الله ظالما لهم بهذا الاهلاك " ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " بأن فعلوا من الكفر والمعاصي ما استحقوا به الهلاك.

(1) سورة 53 النجم آية 53
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»
الفهرست