لخرجوا، فإن كان الأول فقد ثبت ان القدرة قبل الفعل، وإن كان المراد الثاني فقد أكذبهم الله في ذلك وبين انه لو فعل لهم الاستطاعة لما خرجوا، وفي ذلك أيضا تقدم القدرة على المقدور، وليس لهم أن يجعلوا الاستطاعة على آلة السفر وعدة الجهاد، لان ذلك ترك الظاهر من غير ضرورة فان حقيقة الاستطاعة القدرة وإنما يشبه غيرها بها على ضرب من المجاز، على أنه إذا كان عدم الآلة والعدة يعذر صاحبه في التأخر فمن ليس فيه قدرة أولى بأن يكون معذورا وفي الآية دلالة على النبوة لأنه اخبر انهم سيحلفون في المستقبل على ذلك بالله " لو استطعنا لخرجنا معكم " فجاؤوا فيما بعد وحلفوا على ما اخبر به.
قوله تعالى:
عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين (44) آية.
هذه خطاب فيه بعض العتاب للنبي صلى الله عليه وآله في إذنه من استأذنه في التأخر فأذن له، فأخبر الله بأنه كان الأولى ان لا تأذن لهم وتلزمهم الخروج معك حتى إذا لم يخرجوا ظهر نفاقهم، لأنه متى أذن لهم ثم تأخروا لم يعلم بالنفاق كان تأخر هم أم بغيره. وكان الذين استأذنوه منافقين. وحقيقة العفو الصفح عن الذنب، ومثله الغفران، وهو ترك المؤاخذة على الاجرام. وقد كان يجوز أن يعفو الله عن جميع المعاصي كفرا كان أو غيره، غير أنه أخبر أنه لا يعفو عن عقاب الكفر، لاجماع الأمة على ذلك، وما عداه من الفسق باق على ما كان عليه من الجواز.
وإنما قال " عفا الله عنك " على غير لفظ المتكلم لأنه أفخم من الكناية لان هذا الاسم من أسماء التعظيم كما أن قولك إن رأي الأمير افخم من قولك إني رأيت.
وقال أبو علي الجبائي: في الآية دلالة على أن النبي صلى الله عليه وآله كان وقع منه ذنب