التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٢١٠
يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (35) آية.
هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين يعلمهم أن كثيرا من أحبار اليهود وعلمائهم ورؤسائهم، وكثيرا من رهبان النصارى ليأكلون أموال الناس بالباطل من حيث كانوا يأخذون الرشا في الاحكام - في قول إسحاق والجبائي - وأكل المال بالباطل تملكه من الجهات التي يحرم منها اخذه. وقيل في معنى " ليأكلون أموال الناس بالباطل " وجهان: أحدهما - انهم يتملكون. فوضع يأكلون موضعه لان الاكل غرضهم. والثاني - يأكلون أموال الناس من الطعام، فكأنهم يأكلون الأموال، لأنها من المأكول، كما قول الشاعر:
ذر الا كلين الماء لوما فما أرى * ينالون خيرا بعد أكلهم الماء (1) اي ثمن الماء. وقوله " ويصدون عن سبيل الله " معناه يمنعون غيرهم من اتباع الاسلام الذي هو سبيل الله التي دعاهم إلى سلوكها. والغرض بذلك التحذير من اتباعهم والتهوين على المسلمين مخالفتهم.
وقوله " والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله " معناه الذين يخبئون أموالهم من غير أن يخرجوا زكاتها، لأنهم لو اخرجوا زكاتها وكنزوا ما بقي لم يكونوا ملومين بلا خلاف. وهو قول ابن عباس: وجابر، وابن عمر، والحسن والسدي، والجبائي. قال: وهو إجماع. واصل الكنز كبس الشئ بعضه على بعض.
ومنه قولهم كنز التمر والطعام قال الهذلي:
لا در دري إن أطعمت نازلكم * قرف الحتي وعندي البر مكنوز (2)

(1) اللسان (أكل) وروايته (من) بدل (ذر) و (ظلما) بدل (لوما).
(2) مقاييس اللغة 2 / 136 واللسان " كنز ".
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»
الفهرست