التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ١٩٦
أمر تعالى بهذه الآية نبيه صلى الله عليه وآله أن يخاطب هؤلاء الذين تخلفوا عن الهجرة إلى دار الاسلام. وأقاموا بدار الكفر، وقال الجبائي: هو خطاب للمؤمنين أجمع وتحذير لهم من ترك الجهاد وحث لهم عليه، فأمره أن يقول لهم " إن كان آباؤكم " الذين ولدوكم " وأبناؤكم " الذين ولدتموهم، وهم الأولاد الذكور " وأزواجكم " جمع زوجة وهي المرأة التي عقد عليها عقدة نكاح صحيح، لان ملك اليمين والمعقود عليها عقد شبهة لا تسمى زوجة " وعشيرتكم " وهي الجماعة التي ترجع إلى عقد كعقد العشرة. ومنه المعاشرة، وهي الاجتماع على عقد يعم.
ومنه العشار النوق التي أتى على حملها عشرة أشهر " وأموال جمع مال " اقترفتموها " أي اقتطعتموها واكتسبتموها، ومثله الاحتراف. والاقتراف اقتطاع الشئ عن مكانه إلى غيره " وتجارة تخشون كسادها " يعني ما اشتريتموه طلبا للربح تخافون خسرانها ووقوفها " ومساكن " جمع مسكن وهي المواضع التي تسكنونها وترضونها " أحب إليكم من الله ورسوله " يعني آثر في نفوسكم وأقرب إلى قلوبكم. والمحبة إرادة خاصة للشئ فمن أحب الجهاد فقد أراد فعله ومن أحب الله أراد شكره وعبادته ومن أحب النبي أراد إجلاله وإعظامه. والذي اقتضى نزول هذه الآية محبتهم التي منعتهم الهجرة. وقوله " فتربصوا " اي فتثبتوا. والتربص التثبت في الشئ حتى يجئ وقته. والتربص والتنظر والتوقف نظائر في اللغة. ونقيضه التعجل بالامر.
وقال مجاهد قوله " حتى يأتي الله بأمره " من عقوبة عاجلة أو آجلة. وقوله " والله لا يهدي القوم الفاسقين " معناه إنه لا يهديهم إلى الثواب والجنة لأنه تعالى قد هداهم إلى الايمان فقال " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " (1) قوله تعالى:
لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم

(1) سورة 41 حم السجدة (فصلت) آية 17
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»
الفهرست