قوله تعالى:
كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين (8) آية.
قال الفراء: هذا على التعجب كما تقول: كيف تستبقي مثلك؟! اي لا ينبغي ان يستبقى، وفي قراءة عبد الله: كيف يكون لهم عهد عند الله، ولا ذمة، فادخل الكلام " لا " مع الواو، ولا معنى الأول جحد. وقال غيره: في الكلام حذف لان الكلام خرج مخرج الانكار عليهم. وتقديره كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله مع اضمار الغدر في عهدهم، فجاء الانكار أن يكون لهم عهد مع ما ينبذ من العهد على ذلك، وذلك يقتضي اضمار الغدر فميا وقع من العهد.
ثم استثنى من ذلك " الذين عاهدتم عند المسجد الحرام " فكان ذلك ايجابا فيهم لان ما قبله في معنى النفي، والتقدير ليس للمشركين عهد الا الذين. وموضع " الذين " يحتمل الجر والنصب. وحكى الكسائي: أين كنت لتنجو مني اي ما كنت.
و " المسجد " الموضع المهيأ لصلاة الجماعة، والمراد هاهنا مسجد مكة خاصة واصله موضع السجود كالمجلس موضع الجلوس و " الحرام " المحظور بعض أحواله فالخمر حرام لحظر شربها وسائر أنواع التصرف فيها. والام حرام بحظر نكاحها والمسجد الحرام لحظر صيده وسفك الدم فيه وابتذاله ما يبتذل به غيره. وقوله " فما استقاموا لكم " معناه ما استمروا لكم على العهد. والاستقامة الاستمرار على جهة الصواب. ومتى كان الاستمرار على وجه الخطأ لا يسمى استقامة. ومعنى " فاستقيموا لهم " استمروا لهم على العهد مثلهم والمراد بالذين عوهدوا عند المسجد