التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ١٧٥
فأخبر، ثم جزم على جواب الجزاء، لأنها شرط وليس كذلك الجواب، لأنه قد يكون بالفاء ولا يجوز اضمار الفعل في شئ من حروف المجازاة إلا في " إن " لأنها أم الباب، وهي الأصل الذي يلزمه، قال الشاعر:
فان أنت تفعل فللفاعلين أنت المجيرين تلك الغمارا (1) واما قول الشاعر:
فمتى واغل ينبهم يحيوه * ويعطف عليه كأس الساقي فإنما هو ضرورة، لا يجوز مثله في الكلام قال الفراء " استجارك " في موضع جزم، وانه فرق بين الجازم والمجزوم ب‍ " أحد " وذلك جائز في " ان " خاصة وقد يفرق بينهما وبين المجزوم بالمنصوب والمرفوع، فالمنصوب مثل قولك:
إن أخاك ضربت ظلمت، والمرفوع مثل قوله تعالى " إن امرؤ هلك ليس له ولد " (2) امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله انه متى استجارك أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم اي طلب منه الجار في رفع الأذى عن صاحبه. وقيل: المعنى ان استأمنك أحد فأمنه " حتى يسمع كلام الله " والمشرك يصح ان يسمع كلام الله على الحقيقة لان حكاية كلام الله يطلق عليه الاسم بأنه كلام الله لظهور الامر فيه، ولا يحتاج ان يقدر أصل له، كما يقال: كلام سيبويه وغيره. ومن ظن أن الحكاية تفارق المحكي لأجل هذا الظاهر فقد غلط، لان المراد ما ذكرناه فيما يقال في العرف انه كلام الله. وقوله " ثم أبلغه مأمنه " فالابلاغ النصير إلى منتهى الحد. والابلاغ والأداء نظائر. وفي الآية دلالة على بطلان قول من قال: المعارف ضرورية لأنها لو كانت كذلك لما كان لطلب ما هو عالم به معنى. ومعنى قوله " لا يعلمون " اخبار عن جهلهم في افعالهم، لا انهم لا يعقلون، وإنما أراد لا ينتفعون بمثله.
ولا يعرفون مالهم وعليهم من الثواب والعقاب.

(١) معاني القرآن 1 / 422. نسبه للكميت.
(2) سورة 4 النساء آية 175
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»
الفهرست