الثاني - الا كراهة أن تكونا ملكين.
فإن قيل كيف يموه عليهما أن الاكل من الشجرة يوجب الانقلاب من صورة البشرية إلى صورة الملائكة أو يوجب الخلود في الجنة؟!
قلنا: عن ذلك جوابان:
أحدهما - أنه أوهم أن ذلك في حكم الله في كل من أكل من تلك الشجرة.
الثاني - أنه أراد إلا أن تكونا بمنزلة الملائكة في علو المنزلة.
واستدل جماعة من المعتزلة بهذه الآية على أن الملائكة أفضل من البشر، والأنبياء منهم. وهذا ليس بشئ، لأنه لم يجر ههنا ذكر لكثرة الثواب وأن الملائكة أكثر ثوابا من البشر بل كان قصد إبليس أن يقول لادم ما نهاك الله عن أكل الشجرة إلا أن تكونا ملكين، فإن كنتما ملكين فقد نهاكما، وحيث لستما من الملائكة فما نهاكما الله عن أكلها، وتلخيص الكلام أن المنهي من أكل الشجرة هم الملائكة فقط، ومن ليس منهم فليس بمنهي، ولا تعلق لذلك بكثرة الثواب ولا بقلته وعلى قول من كسر اللام لام متعلق في الآية ولا شبهة.
والشجرة التي نهي عنها آدم، قال قوم هي الكرمة، وقال آخرون هي السنبلة. وقيل فيه أقوال غيرهما ذكرناها في سورة البقرة (1).
قوله تعالى:
وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين (20) آية بلا خلاف.
المقاسمة لا تكون إلا بين اثنين، والقسم كان من إبليس لادم، لان آدم مقسم له. وإنما قال وقاسمهما كما يقال: عاقبت اللص طارقت النبل وناولت الرحل وعافاه الله، وكذلك قاسمته، لان في جميع ذلك معنى المقابلة، كأنه قابله في المنازعة باليمين والمعاقبة مقابلة بالجزاء وكذلك المعافاة، وقال الهذلي:
وقاسمها بالله جهدا لأنتم * ألذ من السلوى إذا ما نشورها (2)