بقوله " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " (2) وقوله " تلك الدار الآخرة " (3) ومن قرأ بلام واحدة وخفف الدال فإنه لم يجعل " الآخرة " صفة (للدار) لان الشئ لا يضاف إلى نفسه لكنه جعلها صفة للساعة، وكأنه قال:
ولدار الساعة الآخرة، وجاز وصف الساعة ب (الآخرة) كما وصف اليوم بالاخر في قوله: " وارجوا اليوم الآخر " (4) وحسن إضافة (الدار) إلى الآخرة ولم يقبح من حيث استقبح إقامة الصفة مقام الموصوف، لان الآخرة صارت كالأبطح والأبرق، ألا ترى أنه قد جاء " وللآخرة خير لك من الأولى (5) واستعملت استعمال الأسماء ولم تكن مثل الصفات التي لم تستعمل استعمال الآخرة. ومثل (الآخرة) في أنها استعملت استعمال الأسماء قولهم: الدنيا، لما استعملت استعمال الأسماء حسن أن لا تلحق لام التعريف في نحو قول الشاعر: في سعي دنيا طال ما قد مدت وقال الفراء: جعلت (الدار) هاهنا اسما و (الآخرة) صفتها، وأضيفت في غير هذا الموضع. ومثله مما يضاف إلى مثله قوله: " حق اليقين " (6) والحق هو اليقين، ومثله قولهم بارحة الأولى، ويوم الخميس، فيضاف الشئ إلى نفسه إذا اختلف اللفظ، وإذا اتفق لم يجز ذلك، لا يقولون حق الحق ولا يقين اليقين، لأنهم يتوهمون إذا اختلفا في اللفظ أنهما مختلفان في المعنى.
بين الله تعالى في هذه الآية أن ما يتمتع به في الدنيا بمنزلة اللعب واللهو، اللذين لا عاقبة لهما في المنفعة ويقتضي زوالهما عن أهلها في أدنى مدة وأسرع زمان، لأنه لاثبات لهما ولا بقاء، فأما الاعمال الصالحات، فهي من أعمال الآخرة وليست بلهو ولا لعب. وبين ان الدار الآخرة وما فيها من أنواع النعيم والجنان خير للذين يتقون معاصي الله، لأنها باقية دائمة لا يزول عنهم نعيمها