فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٦ - الصفحة ٣١٥
يتدارسون أبوابا منه ليعزز به الواحد منهم فأجنبي من هذه الرتبة العظمى وقال في موضع آخر: أراد الفقه المذكور العلم بمعرفة الله وصفاته قال: وأما الفقه الذي هو معرفة الأحكام الشرعية فقد استحوذ على أهله الشيطان واستغراهم الطغيان وأصبح كل منهم بعاجل حظه مشغوفا فصار يرى المعروف منكرا والمنكر معروفا حتى ظل علم الدين مندرسا ومنار الهدى في الأقطار منطمسا فتعين أن المراد هو علم الآخرة الذي هو فرض عين فنظر الفقيه بالإضافة إلى صلاح الدنيا ونظر هذا بالإضافة إلى صلاح الآخرة ولو سئل فقيه عن نحو الإخلاص والتوكل أو وجه التحرز عن الرياء لما عرفه مع كونه فرض عينه الذي في إهماله هلاكه ولو سئل عن اللعان والظهار يسرد من التفريعات الدقيقة التي تنقضي الدهور ولا يحتاج لشئ منها، وقد سمى الله في كتابه علم طريق الآخرة فقها وحكمة وضياء ونورا ورشدا (حم ق عن معاوية) بن أبي سفيان (حم ت عن ابن عباس ه عن أبي هريرة) وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله بل بقيته عند الشيخين والله المعطي وأنا القاسم خرجه البخاري في العلم والخمس ومسلم في الزكاة ووجه ارتباط هاتين الجملتين بما قبلهما أن إثبات الخير للمتفقه لا يكون بالاكتساب فقط بل لمن يفتح الله عليه به على يد المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم ورثته.
9104 - (من يرد الله به خيرا) بالتنكير في سياق الشرط فيعم أي من يرد الله به جميع الخيرات (يفقهه) بسكون الهاء لأنها جواب الشرط (في الدين) أي يفهمه علم الشريعة بالفقه لأنه علم مستنبط بالقوانين والأدلة والأقيسة والنظر الدقيق بخلاف علم اللغة والنحو والصرف. روى أن سلمان نزل على نبطية بالعراق فقال: هنا مكان نظيف نصلي فيه قالت: طهر قلبك وصل حيث شئت فقال: فقهت، أي فهمت، فمفهوم الحديث أنه من لم يتفقه في الدين أي يتعلم قواعد الإسلام لم يرد الله به خيرا (ويلهمه برشده) بباء موحدة أوله بخط المصنف وفيه كالذي قبله شرف العلم وفضل العلماء وأن التفقه في الدين علامة على حسن الخاتمة وروى البخاري في الصحيح معلقا من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما العلم بالتعلم هكذا ذكره معلقا بهاتين الجملتين ووصله ابن أبي عاصم من حديث معاوية (حل عن ابن مسعود) رمز لحسنه وهو فيه تابع لابن حجر حيث قال في المختصر: إسناده حسن لكن قال الذهبي: هو حديث منكر ورواه عنه الطبراني أيضا.
9105 - (من يرد الله يهده يفهمه) علم الذات والصفات الناشئ عنه ملابسة كل خلق سني وتجنب كل خلق دني، فمن عرف سعة رحمته أثمرت معرفته سعة الرجاء ومن عرف شدة نقمته أثمرت معرفته شدة الخوف وأثمر خوفه الكف عن الذنوب والبكاء والحزن وحسن الانقياد والإذعان ومن عرف إحاطة علمه لكل معلوم ورؤيته لكل مبصر أثمر ذلك العلم الحياء منه والمراقبة وإتقان العبادة وإصلاح القلب وإخلاص العمل ومن عرفه بالتفرد بالضر والنفع لم يعتمد إلا عليه ولم يفوض إلا إليه ومن عرفه بالعظمة والجلال هابه وعامله بالذلة والافتقار ومن عرف أن النعم كلها منه أحبه وأثمرت
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»
الفهرست