فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٦ - الصفحة ١٢٥
الإضافة لله واقتصاره هنا على لفظ الابتغاء؟ قلت: قد سمعت أن المراد النص على شرطية الإخلاص وبإضافته إلى الله تعالى في الخبر الأول علم ذلك ولما لم يذكر لفظ الجلالة في الثاني احتاج إلى إلحاق القيد. وقوله مثله أي بنى مثل المسجد في الشرف ولا يلزم كون جهة الشرف متحدة فإن شرف المساجد في الدنيا بالتعبد فيها وشرف ذلك البناء في جهة الحسن الحسنى أو المراد بيان وصف ذلك البيت ويكون له عشر بيوت في الجنة أو لفظ المثل يراد به الإفراد فلا يمتنع كون الجزاء أبنية متعددة هي عشر مثله فلا وجه للاستشغاب بأن الحسنة بعشرة أمثالها على أن المثلية هنا بحسب الكمية والزيادة بحسب الكيفية فكم من بيت خير من عشر بل مائة بل ألف؟ أما سمعت خبر موضع شبر من الجنة خير من الدنيا وما فيها؟ وهنا أجوبة غير مرضية. - (حم ق ت ن ه) من حديث عبيد الله الخولاني (عن عثمان) بن عفان ذكر الخولاني أنه سمع عثمان يقول عند قول الناس فيه حين بنى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكم قد أكثرتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره.
8565 - (من بنى لله مسجدا ولو كمفحص) وفي رواية مثل مفحص (قطاة) حمله الأكثر على المبالغة لأن مفحصها بقدر ما تحفره (لبيضها) وترقد عليه وقدره لا يكفي للصلاة فيه وزعم أن المراد بالمسجد محل السجود فحسب يأباه لفظ بنى لإشعاره بوجود بناء حقيقي أو ما في معناه قال ابن حجر:
لكن لا تمنع إرادة الآخر مجازا إذ بناء كل شئ بحسبه وقد شاهدنا كثيرا من المساجد في طرق المسافرين يحوطونها إلى جهة القبلة وهي في غاية الصغر وبعضها لا يكون أكثر من قدر محل السجود وقال الزركشي: لو هنا للتقليل وقد عده من معانيها ابن هشام الخضراوي وجعل منها اتقوا النار ولو بشق تمرة والظاهر أن التقليل مستفاد مما بعد لو، لا منها (بنى الله له بيتا في الجنة) إن كان قد بنى المسجد من حلال كما جاء مصرحا به في رواية البيهقي عن أبي هريرة ولفظه من بنى لله بيتا يعبد الله فيه من مال حلال بنى الله له بيتا في الجنة من در وياقوت اه‍. وهذا من أعظم أنواع الإعظام والإكرام لإيذائه بأنه مقره ومسكنه قد أعد له وهيئ وبنى وأنه عند الله بمكان جليل يبنى له بدار القرار بجوار الغفار.
(تنبيه) قال الزركشي: خص القطاة بالذكر دون غيرها لأن العرب تضرب به المثل في الصدق ففيه رمز إلى المحافظة على الإخلاص في بنائه والصدق في إنشائه. - (حم) وكذا البزار عن أنس قال الهيثمي: فيه جابر الجعبي ضعيف.
8566 - (من بنى لله مسجدا بنى الله له في الجنة أوسع منه) فيه إشعار بأن المثلية لم يقصد بها المساواة من كل وجه، وفيه [ص 97] إيذان بدخول فاعل ذلك الجنة إذ القصد بالبناء له أن يسكنه وهو لا يسكنه إلا بعد الدخول. (فائدة) قال ابن الجوزي: من كتب اسمه على مسجد بناه كان بعيدا من الإخلاص قال غيره: ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الإخلاص وإن كان يؤجر في الجملة
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست