فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٥ - الصفحة ٢٩
كالصلاة ومنها ما أصل أصله كدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع والقياس (فهو باطل وإن كان مائة شرط) يعني وإن شرط مائة مرة لا يؤثر فذكره للمبالغة لا لقصد عين هذا العدد قال الطيبي: وهذا من الشرط الذي يتبع به الكلام السابق بلا جزاء للمبالغة وقال القرطبي: هذا خرج مخرج الكثير يعني أن الشروط الغير مشروعة باطلة وإن كثرت ويستفاد منه أن الشروط الشرعية صحيحة. (البزار) في مسنده (طب) كلاهما (عن ابن عباس) رمز لصحته.
6314 - (كل شئ بقدر) أي جميع الأمور إنما هي بتقدير الله في الأزل فالذي قدر لا بد أن يقع والمراد كل المخلوقات أي بتقدير محكم وهو تعلق الإرادة الأزلية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب (حتى العجز) التقصير فيما يجب فعله أو من الطاعة أو أعم (والكيس) بفتح الكاف أي النشاط والحذق والظرافة أو كمال العقل أو شدة معرفة الأمور أو تمييز ما فيه الضر من النفع قال الطيبي: قوبل الكيس بالعجز على المعنى لأن المقابل الحقيقي للكيس البلادة ولعجز القوة وفائدة هذا الأسلوب تقييد كل من اللفظين بما يضاد الآخر يعني حتى الكيس والقوة والبلادة والعجز من قدر الله فهو رد على من يثبت القدرة لغيره تعالى مطلقا ويقول إن أفعال العباد مستندة إلى قدرة العبد واختياره ولأن مصدر الفعل الداعية ومنشؤه القلب الموصوف بالكياسة والبلادة ثم القوة والضعف ومكانهما الأعضاء والجوارح إذا كانوا بقدر الله وقضائه فأي شئ يخرج عنهما وقال التوربشتي: الكيس جودة القريحة وأتى به في مقابل العجز لأنه الخصلة المفضية بصاحبها إلى الجلادة وإتيان الأمور من أبوابها وذلك يقتضي العجز ولذلك كنوا به عن الغلبة فقالوا كايسته فكيسته أي غلبته قال: والعجز هنا عدم القدرة وقيل ترك ما يجب فعله والعجز والكيس روي بالجر بحتى أو بعطفه على شئ وبالرفع على كل أو بأنه مبتدأ حذف خبره أي كائنان بقدر الله ورجح الطيبي أن حتى حرف جر بمعنى إلى نحو * (حتى مطلع الفجر) * قال: ومعنى الحديث يقتضي الغاية لأنه أراد به أن أكساب العباد وأفعالهم كلها بتقدير خالقهم حتى الكيس الموصل صاحبه إلى البغية والعجز الذي يتأخر به عن دركها وقال ابن حجر: معناه أن كل شئ لا يقع في الوجود إلا وقد سبق به علم الله ومشيئته وإنما جعلهما في الحديث غاية لذلك إشارة إلى أن أفعالنا وإن كانت معلومة لنا مرادة منا فلا تقع بعد ذلك إلا بمشيئة الله * (إنا كل شئ خلقناه بقدر) * وقال القونوي: لم يختلف أحد من علماء الإسلام في أن حكم القضاء والقدر شامل كل شئ منسحب على جميع الموجودات ولوازمها من الأفعال والصفات والأحوال وغير ذلك، فإن قلت: كيف هذا مع حديث الصحيح عن أم حبيبة أن المصطفى صلى الله عليه وسلم سمعها وهي تقول اللهم متعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأخي معاوية وبأبي فقال لها: سألت الله بأرزاق مقسومة وآجال مضروبة لا يعجل منها شئ قبل محله ولا يؤخر بعد محله فلو سألت الله أن يجيرك من عذاب القبر وعذاب النار انتهى فما الفرق بين ما نهى عن الدعاء فيه وبين ما حث عليه من طلب الإجارة من النار والقبر؟ فالجواب: [ص 23] أن المقدرات ضربان ضرب يختص بالكليات وضرب يختص بالجزئيات التفصيلية فالكلية المختصة بالإنسان أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنها محصورة في أربعة أمور العمر والرزق والأجل والشقاء والسعادة وأما اللوازم الجزئية التفصيلية فإنها لم تكد تنحصر ولم يمكن تعيين ذكرها وأيضا فظهور
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست