الأخرى لم يتب، وفي رواية الصحيح إلا أن يتوب، وفيه أن التوبة تكفر الكبائر والواو للحال وإدمانها مداومة شربها (لم يشربها في الآخرة) يعني لم يدخل الجنة لأن الخمر شراب أهل الجنة فإذا لم يشربها لم يدخلها أو أنه يدخلها ويحرم شربها بأن تنزع منه شهوتها ذكره ابن عبد البر واستشكل بأن من لا يشتهي شيئا لا يخطر بباله لا يحصل له عقوبة ذلك، وشهوات الجنة كثيرة يستغني بعضها عن بعض، وأجاب الزين العراقي بأن كل شهوة يجد لها لذة لا يجدها لغيرها فيكون ذلك نقصا في نعيمه بل ورد في الحديث أن الطعام الواحد في الجنة يجد لكل لقمة منه لذة لا يجدها لما قبلها، فهذا في النوع الواحد فكيف بنعيم برأسه. (حم م 4) في الأشربة (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه.
6348 - (كل مسكر حرام) سواء اتخذ من العنب أم من غيره، وفرق الحنفية بينهما بدعوى المغايرة في الاسم مع اتحاد العلة فيهما فإن كل ما قدر في المتخذ من العنب يقدر في المتخذ من غيرها.
قال القرطبي: وهذا من أرفع أنواع القياس لمساواة الفرع فيه للأصل في جميع أوصافه مع موافقته لظهور النصوص الصحيحة (وما أسكر منه الفرق) بالتحريك مكيلة تسع ستة عشر رطلا، وبالسكون تسعمائة وعشرون رطلا (فملء الكف منه حرام) قال الطيبي: الفرق وملء الكف كلاهما عبارة عن التكثير والتقليل لا التحديد قال القرطبي: الأحاديث الواردة في هذا الباب على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر وهو مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا أن الأمر بتجنب الخمر تحريم كل مسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب ومن غيره بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه ولم يتوقفوا ولا استفصلوا ولم يشكل عليهم شئ من ذلك بل بادروا إلى إراقة ما كان من عصير غير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا ويستفصلوا ويتحققوا التحريم للنهي عن إضاعة المال فلما بادروا للإتلاف علمنا أنهم فهموا التحريم نصا فصار القائل بالتفريق سالكا غير سبيلهم وإذا ثبت أن كل ذلك يسمى خمرا لزم تحريم قليله وكثيره مطلقا قال: وأما الأحاديث التي تمسك بها المخالف فلا شئ منها يثبت. (د ت عن عائشة) قال القرطبي: إسناده صحيح ولذلك رمز المؤلف لصحته ورواه مسلم عن ابن عمر بنحوه.
6349 - (كل مشكل) أي كل حكم أشكل علينا لخفاء النص فيه أو لتعارض نصين أو لعدم نص صريح ولم يقع على ذلك الحكم إجماع واجتهد فيه مجتهد ولم يظهر له شئ أو فقد المجتهد فهو (حرام) لبقائه على إشكاله بالنسبة للعلماء وغيرهم (وليس في الدين إشكال) عند الراسخين في العلم