فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ٦٥٠
الحفظ والرعاية ذكره بعض الأعاظم وقال ابن عربي: هذا قرب مخصوص يرجع إلى ما يتقرب إليه سبحانه من الأعمال والأحوال فإن القرب العام قوله * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * فضاعف القرب بالذراع فإن الذراع ضعف الشبر وما تقربت إليه إلا به لأنه لولا ما دعاك وبين لك طريق القرب وأخذ بناصيتك فيها لم تعرف الطريق التي يتقرب منه ما هي ولو عرفتها لم يكن لك حول ولا قوة إلا بالله اه‍.
(تنبيه) قال العوفي: هذا الحديث أصل في السلوك إلى الله والوصول إلى معرفته. (حم عن أنس) بن مالك قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
6065 - (قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني) أي مدة دعائك فهي زمانية نحو * (ما يتذكر فيه من تذكر) * (ورجوتني) أي أملت مني الخير (غفرت لك) ذنوبك (على ما كان منك) من عظائم وجرائم أو ما دمت تدعوني وترجو مغفرتي ولا تقنط من رحمتي فإني أغفر لك ولا تعظم علي مغفرتك وإن كانت ذنوبك كثيرة وذلك لأن الدعاء مخ العبادة والرجاء متضمن لحسن الظن بالله وهو قال أنا عند ظن عبدي بي وعند ذلك تتوجه الرحمة له وإذا توجهت لا يتعاظمها شئ لأنها وسعت كل شئ (ولا أبالي) بذنوبك إذ لا معقب لحكمي ولا مانع لعطائي كأنه من البال فإنه إذا قيل لا أبالي كأنه قال لا يشتغل بالي بهذا الأمر أو نحوه قال الطيبي: في عدم مبالاته معنى قوله * (لا يسأل عما يفعل) * (يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك) بفرض كونها أجساما (عنان) بفتح المهملة سحاب (السماء) بأن ملأت ما بين السماء والأرض كما في الرواية الأخرى أو عنانها ما عن لك منها أي ظهر إذا رفعت رأسك ثم (استغفرتني) أي تبت توبة صحيحة (غفرت لك ولا أبالي) لأن الاستغفار استقالة والكريم محل إقالة العثرات وهذا على إطلاقه لأن الذنب إما شرك يغفر بالاستغفار أي التوبة منه وهو الإيمان أو دونه فبالندم والإقلاع بشرطه المعروف قال التوربشتي: العنان السحاب وإضافته على هذا المعنى إلى السماء غير فصيح وأرى الصواب أعنان السماء وهي صفائحها يحسها وما اعترض من أقطارها كأنه جمع عنن فلعل الهزة سقطت من بعض الرواة وورد أن العنان بمعنى العياء وأجاب الطيبي بأنه يمكن أن يجعل من باب قوله * (فخر عليهم السقف من فوقهم) * تصويرا لارتفاع شأن السحاب وأنه بلغ مبلغ السماء وقال القاضي: العنان السحاب الواحدة عنانة من عن إذا اعآترض وأضيف إلى السماء لأنه معترض من دونها وقد يقال أعنان السماء والمعنى أنه لو كثرت ذنوبك كثرة تملأ ما بين السماء والأرض بحيث تبلغ أقطارها وتعم نواحيها ثم استغفرتني غفرت لك جميعها غير مبال بكثرتها فإن استدعاء الاستغفار للمغفرة يستوي فيه القليل والكثير والجليل والحقير (يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض) بضم القاف ويقال بكسرها والضم كما في الرياض أفصح
(٦٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 645 646 647 648 649 650 651 652 653 654 655 ... » »»
الفهرست