فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ٥٤
مكابدة العبادات بمباح لا عقاب فيه ولا ثواب قال أبو الدرداء: إني لأجم فؤادي (1) ببعض الباطل أي اللهو الجائز لأنشط للحق وذكر عند المصطفى صلى الله عليه وسلم القرآن والشعر فجاء أبو بكر فقال: أقراءة وشعر فقال: نعم ساعة هذا وساعة ذاك وقال علي كرم الله وجهه: أجموا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان أي تكل وقال بعضهم: إنما ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم لأولئك الأكابر الذين استولت هموم الآخرة على قلوبهم فخشي عليها أن تحترق وقال الحكيم في شرح هذا الحديث: الذكر المذهل للنفوس إنما يدوم ساعة وساعة ثم ينقطع ولولا ذلك ما انتفع بالعيش والناس في الذكر طبقات: فمنهم من يدوم له ذكره وقت الذكر ثم تعلوه غفلة حتى يقع في التخليط وهو الظالم لنفسه ومنهم من يدوم له ذكره في وقت الذكر ثم تعلوه معرفته بسعة رحمة الله وحسن معاملة عباده فتطيب نفسه بذلك فيصل إلى معاينته وهو المقتصد. وأما أهل اليقين وهم السابقون فقد جاوزوا هذه الخطة ولهم درجات قال: فقوله ساعة وساعة أي ساعة للذكر وساعة للنفس لأن القلب إذا حجب عن احتمال ما يحل به يحتاج إلى مزاج ألا ترى أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لما صار إلى سدرة المنتهى فغشيها ما غشى وأشرق النور حال دونه فراش من ذهب وتحولت السدرة زبرجدا وياقوتا فلما لم يقم بصره للنور عورض بذلك مزاجا ليقوى ويستقر كأنه شغل قلبه بهذا المزاج عما رأى لئلا ينفر ولا يجد قرارا. (أبو بكر المقري في فوائده والقضاعي) في مسند الشهاب (عنه) أي عن أبي بكر المذكور (وعن أنس) بن مالك (د في مراسيله عن ابن شهاب) يعني الزهري (مرسلا) قال البخاري: ويشهد له ما في مسلم وغيره يا حنظلة ساعة وساعة وقال شارح الشهاب: إنه حسن.
4485 - (رياض الجنة المساجد) أي فالزموا الجلوس فيها وواظبوا عليها قال الغزالي: ولا مناقضة بينه وبين الأخبار الآمرة بالعزلة لأن هذا في غير زمن الفتنة أو المراد أنه يحضر في المسجد ولا يخالط الناس ولا يداخلهم فيكون بالشخص معهم وبالمعنى منفردا وهذا هو المروي في معنى العزلة والانفراد الذي نحن في شرحه لا التفرد بالشخص والمكان فافهم ولهذا قال إبراهيم بن أدهم: كن واحدا جامعيا ومن ربك ذا أنس ومن الناس ذا وحشة والمدارس والمرابط جمعت المعنيين والفائدتين التفرد عن الناس بالصحبة والمشاركة في الخير لتكثير شعار الإسلام إلى هنا كلامه. (أبو الشيخ) ابن حيان (في الثواب عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا ابن أبي شيبة والديلمي.
4486 - (ريح الجنة توجد من مسيرة خمسمائة عام ولا يجدها) أي ولا يشم ريحها (من) أي إنسان (طلب الدنيا بعمل الآخرة) كأن أظهر الصيام والصلاة والتنسك ولباس الصوف ليوهم الناس أنه من الصالحين فيعطي وهذا أبلغ زجر من هذا الفعل القبيح الموجب لدخول النار فإنه إذا لم يشم ريح الجنة من هذه المسافة البعيدة فهو لا يدخلها وإذا لم يدخلها دخل النار إذ لا منزلة بين المنزلتين ومن ثم ورد في خبر سيأتي إن ملائكة السماوات والأرضين تلعنه لتلبيسه وتدليسه. (فر عن ابن عباس).
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست