فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ١٧٣
فإنه من المحال لأنه لا يثمر إلا الجراحة والألم وكذا من ركن إليهم * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) * والاستثناء من باب قوله:
وبلدة ليس بها أنيس * إلا اليعافير وإلا العيس وأطلق المستثنى من جنس المضرة أي لا يجدي إلا مضار الدارين ويدخل فيه الخطايا أيضا انتهى.
وقال الزمخشري: النهي متناول للانحطاط في هواهم والانقطاع إليهم وذكرهم بما فيه تعظيمهم، ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه أخ في الدين عافانا الله وإياك من الفتن أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك أصبحت شيخا كبيرا أثقلتك نعم الله بما فهمك الله من كتابه وعلمك سنة نبيه وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك انتهى. والناس في القرآن أقسام قوم شغلوا بالتردد على الظلمة وأعوانهم عن تدبره وقوم شغلوا بما حبب إليهم من دنياهم وقوم منعهم من فهمه سابق معرفة آراء عقلية انتحلوها ومذاهب حكمية تمذهبوا بها فإذا سمعوه تأولوه بما عندهم فيحاولون أن يتبعهم القرآن لا أن يتبعونه وإنما يفهمه من تفرغ من كل ما سواه فإن للقرآن علوا من الخطاب يعلو على قوانين علو كلام الله على كلام خلقه. (ابن عساكر عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا أبو نعيم والديلمي فاقتصار المصنف عليه غير سديد.
4779 - (سيكون في آخر الزمان ديدان القراء) بكسر الدال دود القراء وجمع الدود ديدان (فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله منهم) هم القوم الذين تنسكوا في ظاهر الحال تصنعا، رموا بأبصارهم إلى الأرض ومدوا بأعناقهم تيها وتكبرا وإعجابا لجهلهم بالله وغرتهم به يعدون الخطا ويقضون المنا ناظرين إلى أهل الذنوب بعين الإزراء حقارة لهم وعجبا بأنفسهم أعطوا القوة على لبس الخشن والصبر على ملاذ الدنيا استدراجا فسخت نفوسهم بترك الشهوات في جنب لذة ثناء الخلق عليهم وتعظيمهم فأقبلوا على ذم الدنيا وجفاء من تناولها والطعن على من وسم بالغنى حتى إذا هم جهلهم إلى الطعن على أغنياء الصحب وأكابر السلف فخرجوا من الدين مروقا من حيث لا يشعرون ظنوا أنه لم يبق وراء تركهم لذات الدنيا شئ وما علموا أنهم تركوا شيئا قليلا من شئ لا يزن جميعه عند الله جناح بعوضة فإذا كان الكل لا يزن جناحها فما تركه هؤلاء المساكين كم هو؟ وقوم تغولوا وتاهوا بعلمهم وتجبروا وتصنعوا بحسن الملابس وطول الطنافس وطول الأكمام كبر العمامة وتوفير اللحية وتعظيم الهامة ليتمكنوا في صدور المجالس ويستتروا من الأبالس فضلوا وأضلوا وخبطوا عشواء حيثما قاموا وحلوا قد كاد الواحد منهم ينوح بدعوى الاجتهاد وما تأهل لتعليم الأولاد فلشفقة المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمته نبه على أنهم سيكونون، وأمر بالتعوذ منهم كيلا يغتر بهم الغبي المفتون * (وما ربك بغافل عما يعملون) *، * (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) *. (حل عن أبي أمامة).
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست