فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٤ - الصفحة ١٤٢
بعض الأكابر أود أن أكون جسرا على النار يعبر علي الخلق فينجون وأكون أنا فيها فذاك لما غلب على قلبه من الحب حتى أسكره إذ من شرب كأس المحبة سكر ومن سكر توسع في الكلام ولو زايله سكره علم أن ما غلب عليه حالة لا حقيقة لها فما تسمعه من هذا فهو كلام العشاق الذين أفرط حبهم وكلامهم يستلذ سماعه ولا يعول عليه ومن ذلك قول سحنون المحب فليس لي في سواك حظ فكيفما شئت فاختبرني فابتلي بحصر البول فصار يطوف ويقول لأطفال الكتاب: ادعوا لعمكم الكذاب (حكى) أن فاختة راودها ذكرها فمنعته فقال: كيف ولو أردت أن أقلب ملك سليمان ظهرا لبطن لأجلك لفعلت فعاتبه سليمان فقال كلام العشاق لا يؤاخذ به (فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية) أفرد العافية بعد جمعها لأن معنى العفو محو الذنب ومعنى العافية السلامة من الأسقام والبلاء فاستغنى عن ذكر العفو بها لشمولها ذكره القاضي ثم إنه جمع بين عافيتي الدنيا والدين لأن صلاح العبد لا يتم في الدارين إلا بالعفو واليقين فاليقين يدفع عنه عقوبة الآخرة والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه قال ابن جرير: فإن قلت هذا الخبر يناقض خبر إذا أحب الله عبدا ابتلاه قلت إنما أمر بطلب العافية من كل مكروه يحذره العبد على نفسه ودينه ودنياه والعافية في الدارين السلامة من تبعات الذنوب فمن رزق ذلك فقد برئ من المصائب التي هي عقوبات والعلل التي هي كفارات لأن البلاء لأهل الإيمان عقوبة يمحص بها عنهم في الدنيا ليلقوه مطهرين فإذا عوفي من التبعات وسلم من الذنوب الموجبة للعقوبات سلم من الأوجاع التي هي كفارات لأن الكفارة إنما تكون لمكفر، ذكره ابن جرير.
(تنبيه) في ضمن هذا الحديث إيماء إلى أن شدة حياء العبد من ربه توجب أنه إنما يسأله العفو لا الرضى عنه إذ الرضى لا يكون إلا للمتطهرين من الرذائل بعصمة أو حفظ وأما من تلطخ بالمعاصي فلا يليق به إلا سؤال العفو وعلى ذلك درج أهل السلوك. (حم ت) في الدعوات (عن أبي بكر) الصديق رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أول على المنبر ثم بكى ثم ذكره قال المنذري: رواه الترمذي من رواية عبد الله بن محمد بن عبيد وقال: حسن غريب ورواه النسائي من طرق أحد أسانيدها صحيح اه‍. وقد رمز المصنف لحسنه.
4701 - (سلوا الله) أي ادعوه لإذهاب البلاء وقيل الدعاء (من فضله) أي من زيادة إفضاله عليكم قال الطيبي: الفضل الزيادة وكل عطية لا تلزم المعطي والمراد أن إعطاء الله ليس بسبب استحقاق العبد بل إفضاله من غير سابقة ولا يمنعكم شئ من السؤال ثم علل ذلك بقوله (فإن الله يحب أن يسأل) أي من فضله لأن خزائنه ملآى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار فلما حث على السؤال هذا الحث البليغ وعلم أن بعضهم يمتنع من الدعاء لاستبطاء الإجابة فيدعه قال (وأفضل العبادة انتظار الفرج) أي أفضل الدعاء انتظار الداعي الفرج بالإجابة فيزيد في خضوعه وتذلله وعبادته التي يحبها الله تعالى وهو المراد من قوله فإن الله يحب إلخ. (ت) في الدعوات (عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»
الفهرست