فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٥٥
2693 (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) أي أقول ذلك شكرا لا فخرا من قبيل قول سليمان عليه الصلاة والسلام * (علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ) * أي لا أقوله تكبرا وتفاخرا وتعاظما على الناس وقيل لا أتكبر به في الدنيا وإلا ففيه فخر الدارين وقيل لا أفتخر بذلك بل فخري بمن أعطاني هذه الرتبة والفخر ادعاء العظم والمباهاة وهذا قاله للتحدث بالنعمة وإعلاما للأمة ليعتقدوا فضله على جميع الأنبياء وأما خبر لا تفضلوا بين الأنبياء فمعناه تفضيل مفاخرة وهنا أجوبة غير مرضية (وبيدي لواء الحمد) بالمد والكسر علمه والعلم في العرصات مقامات لأهل الخير والشر ينصب في كل مقام لكل متبوع لواء يعرف به قدره وأعلى تلك المقامات الحمد ولما كان أعظم الخلائق أعطي أعظم الألوية وهو لواء الحمد ليأوي إلى لوائه الأولون والآخرون وعليه فالمراد باللواء الحقيقة فلا وجه لعدول البعض عنه وحمله على لواء الجمال والكمال (ولا فخر) أي لا فخر لي بالعطاء بل المعطي ولهذا المعنى المقرر افتتح كتابه بالحمد واشتق اسمه من الحمد وأقيم يوم القيامة المقام المحمود وسيفتح عليه في ذلك المقام من المحامد ما لم يفتح على أحد قبله ولا بعده (وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه) اعتراض بين النفي والاستثناء أفاد أن آدم عليه السلام بالرفع بدلا أو بيانا من محله ومن فيه موصولة وسواه صلته وصح لأنه ظرف وآثر الفاء التفصيلية في من للترتيب على منوال الأمثل فالأمثل إلا تحت لوائي (وأنا أول من تنشق عنه الأرض) وفي رواية تنشق الأرض عن جمجمتي (ولا فخر) أي أول من يعجل الله إحياءه مبالغة في الإكرام وتعجيلا لجزيل الإنعام قال الطيبي: قوله ولا فخر حال مؤكدة أي أقول هذا ولا فخر (وأنا أول شافع) يوم القيامة أو في الجنة لرفع الدرجات فيها بشهادة خبر مسلم أنا أول شافع في الجنة (وأول مشفع) بقبول شفاعته في جميع أقسام الشفاعة لله ثم أراد أن يتواضع لربه ويهضم نفسه لئلا يكون لها مزكيا وبحالها في السيادة والشرف معجبا فقال (ولا فخر) أي لا أقوله افتخارا وتبجحا بل شكرا وتحدثا بالنعمة وإعلاما للأمة وأما قوله لمن قال له يا خير البرية قال: ذاك إبراهيم فعلى جهة التواضع وترك التطاول على الأنبياء عليهم السلام أو قبل أن يعلم بتفضيله عليه لا يقال كيف يصح من معصوم الإخبار عن شئ بخلاف ما هو عليه لأجل تواضع أو آداب وكيف يكون ذلك خبرا عن أمر وجودي والأخبار الوجودية لا يدخلها نسخ لأن نقول نمنع أن هذا إخبار عن شئ بخلاف ما هو عليه فإنه تواضع يمنع إطلاق ذلك اللفظ عليه وتأدب مع أبيه بإضافة ذلك اللفظ إليه ولم يتعرض للمعنى فكأنه قال لا تطلقوا هذا اللفظ علي وأطلقوه على إبراهيم عليه الصلاة والسلام أدبا معه واحتراما فهو خبر عن الحكم الشرعي لا عن المعنى الوجودي سلمنا أنه خبر عن أمر وجودي لكن لا نسلم أن كل أمر وجودي لا يتبدل بل منه ما يتبدل ولا يلزم من
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»
الفهرست