فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٥٤٩
أي في شأنهما أحدهما (رجل آتاه الله القرآن) أي حفظه وفهمه (فقام به) أي بتلاوته في الصلاة والعمل بما فيه وأحل حلاله وحرم حرامه) بأن فعل الحلال وتجنب الحرام (ورجل آتاه الله مالا) أي حلالا كما يفيده السياق (فوصل به أقرباءه ورحمه) عطف خاص على عام (وعمل بطاعة الله) كأن تصدق منه وأطعم الجائع وكسى العاري وأعان الغازي وغير ذلك من وجوه القرب (تمنى أن يكون مثله) من غير تمني زوال نعمة ذلك عنه فالحسد حقيقي ومجازي فالحقيقي تمني زوال نعمة الغير والمجازي تمني مثلها ويسمى غبطة وهو مباح في دنيوي مندوب في أخروي وخص هذين لشدة اعتنائه بهما كأنه قال لا غبطة أكمل ولا أفضل منها فيهما قال العلائي: وبينهما نوع تلازم لأن المرء مجبول على حب المال وحبه للرياسة والجاه بالعلم أشد فالنفس تدعوه لكثرة المال وعدم إنفاقه خوف الفقر وللتصنع بالعلم المأخوذ من القرآن ليتقدم على غيره فإذا وفق لقهر نفسه ببذل المال في القرب والقيام بحق العلم فجدير بأن يغيظ ويتمنى مثل حاله (ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن عمرو) بن العاص وفيه روح ابن صلاح ضعفه ابن عدي وقواه غيره وخرجه الجماعة كلهم بتفاوت قليل ولفظهم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آتاه الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آتاه الليل والنهار.
3819 (الحسد) أي المذموم وهو تمني زوال نعمة الغير (يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل) قال الغزالي: الحسد هو المفسد للطاعات الباعث على الخطيئات وهو الداء العضال الذي ابتلي به كثير من العلماء فضلا عن العامة حتى أهلكهم وأوردهم النار وحسبك أن الله أمر بالاستعاذة من شر الحاسد فقال: * (ومن شر حاسد إذا حسد) * كما أمر بالاستعاذة من شر الشيطان فانظر كم له من شر وفتنة حتى أنزله منزلة الشيطان والساحر وينشأ عن الحسد إفساد الطاعات وفعل المعاصي والشرور والتعب والهم بلا فائدة وعمى القلب حتى لا يكاد يفهم حكما من أحكام الله والحرمان والخذلان فلا يكاد يظفر بمراد نفس دائم وعقل هائم وغم لازم اه‍ وزعم بعضهم أنه لا حيلة للمحسود في إزالة حسد الحاسد فإن سعى فيه ضاع سعيه كما قال:
كل العداوة قد ترجى إزالتها * إلا عداوة من عادك في الحسد ويكفي في قبح الحسد كما في الإحياء أنه أول ذنب عصى الله به لأن إبليس لم يحمله على ترك السجود إلا الحسد كما أن قابيل لم يحمله على قتل هابيل إلا الحسد وقد عم وقوعه وطم قال في المنهاج ولا حيلة في دفعه حتى أعرف بعض الناس بذل جهده في استجلاب دواعي التآلف وأسباب كف
(٥٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 ... » »»
الفهرست