فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٤٦٢
المؤمنون الجنة وتبوؤوا مقاعدهم رفع ما بينهم وبين النظر إلى ربهم من الموانع والحجب التي منشأها كدورة الجسم ونقص البشرية والانهماك في المحسوسات الحادثة ولم يبق ما يحجزهم عن رؤيته إلا هيبة لجلال وسبحات الجمال وأبهة الكبرياء فلا يرفع ذلك منهم إلا برأفة ورحمة منه تفضلا على عباده وقال عياض: استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وجلاله المانع لإدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته (على وجهه) أي ذاته وقوله (في جنة عدن) راجع إلى القوم أي وهم في جنة عدن لا إلى الله لأنه لا تحويه الأمكنة تعالى الله عن ذلك ذكره عياض وقال القرطبي: متعلق بمحذوف في محل الحال من القول أي كائنين في جنة عدن وقال القاضي: متعلق بمعنى الاستقرار في الظرف ليفيد المفهوم انتفاء هذا الحصر في غير الجنة قال الهروي: هو ظرف لينظروا بين به أن النظر لا يحصل إلا بعد الإذن لهم في الدخول في جنة عدن سميت بها لأنها محل قرار رؤية الله ومنه المعدن لمستقر الجواهر (وهذه الأنهار تشخب) بمثناة فوقية مفتوحة وشين معجمة ساكنة وخاء معجمة مضمومة فموحدة أي تجري وتسيل (من جنة عدن ثم تصدع) أي تتفرق (بعد ذلك أنهارا) في الجنان كلها وفيه أن الجنان أربع وقال القرطبي: هي سبع وعدها وقال الحكيم: الفردوس سرة الجنة ووسطها والفردوس جنات فعدن كالمدينة والفردوس كالقرى حولها فإذا تجلى الوهاب لأهل الفردوس رفع الحجاب وهو المراد برداء الكبرياء هنا فينظرون إلى جلاله وجماله فيضاعف عليهم من إحسانه ونواله (حم طب عن أبي موسى) الأشعري قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
(1) قال القرطبي: قيل: الجنان سبع دار الجلال ودار السلام ودار الخلود وجنة عدن وجنة المأوى وجنة نعيم والفردوس وقيل: أربع فقط لهذا الحديث فإنه لم يذكر فيه سوى أربع كلها توصف بالمأوى والخلد والعدن والسلام وهذا ما اختاره الحليمي فقال: إن الجنتين الأولتين للمقربين والآخرتين لأصحاب اليمين وفي كل جنة درجات ومنازل وأبواب.
3601 (جنبوا مساجدنا) وفي رواية مساجدكم (صبيانكم) أراد به هنا ما يشمل الذكور والإناث (ومجانينكم) فيكره إدخالهما تنزيها إن أمن تنجيسهم للمسجد وتحريما إن لم يؤمن (وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم) أي إخراجها من أغمادها (واتخذوا على أبوابها) أي المساجد (المطاهر) جمع مطهرة ما يتطهر منه للصلاة (وجمروها) أي بخروها (في الجمع) جمع جمعة أي في كل يوم جمعة وكذا عيدان أقيمت صلاة العيد فيهما وفيه إنباء بأن من عمل في مساجد الله بغير ما وضعت له من ذكر الله كان ساعيا في خرابها وناله الخوف في محل الأمن وقد أجرى الله سنته أن من لم يقم حرمة مساجده شرده منها وأحوجه لدخولها تحت ذمة من أعدائه كما شهدت به بصائر أهل التبصرة سيما في الأرض المقدسة دول القلب بين هذه الأمة وأهل الكتاب (تنبيه) حكى ابن التين عن اللخمي أن هذا الحديث ناسخ لحديث لعب الحبشة بالحراب في المسجد ورد بأن الحديث ضعيف وليس فيه تصريح بذلك ولا عرف تاريخ فيثبت النسخ واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب
(٤٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 ... » »»
الفهرست