* وقوله * (أرجه وأخاه) * وكان من زي آل كسرى كما قاله الروياني وغيره قص اللحى وتوفير الشوارب فندب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى مخالفتهم في الزي والهيئة بقوله (خالفوا المجوس) فإنهم لا يفعلون ذلك عقب الأمر بالوصف المشتق المناسب وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع وهو العلة في هذا الحكم أو علة أخرى أو بعض علة وإن كان الأظهر عند الإطلاق أنه علة تامة ولهذا لما فهم السلف كراهة التشبه بالمجوس في هذا وغيره كرهوا أشياء غير منصوصة بعينها من هدي المجوس قال أبو شامة: ووجدت في بعض الكتب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل رأى له شاربا طويلا: خذ من شاربك فإنه أنقى لموضع طعامك وشرابك وأشبه بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأعفى من الجذام وإبراء من المجوسية. (تنبيه) لو استعمل غير القص مما يقوم مقامه في الإزالة كقرض الشارب بالأسنان كفى في حصول السنة لكن القص أولى اتباعا للفظ الحديث ذكره ابن دقيق العيد قال الزين العراقي: وقد يقال إن فيه استنباط معنى من النص يبطله كما في إخراج القيمة عن الشاة المنصوص عليها في الزكاة (م عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضا.
3587 (جعل الله) أي اخترع وأوجد أو قدر (الرحمة مائة جزء) في رواية في مائة جزء أي أنه تعالى أظهر تقديره لذلك يوم تقدير السماوات والأرض (فأمسك) في رواية فأخر (عنده تسعة وتسعين جزءا) وفي رواية أخر عنده تسعة وتسعين رحمة وفي رواية وخبأ عنده مائة إلا واحدة (وأنزل في الأرض) بين أهلها (جزءا واحدا) وفي رواية وأرسل في خلقه كلهم رحمة قال القرطبي: هذا نص في أن الرحمة يراد بها الإرادة لا نفس الإرادة وأنها راجعة إلى المنافع والنعم. وقال الكرماني: الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير، والقدرة في نفسها غير متناهية والتعلق غير متناه لكن حصره في مائة على التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله. وقال ابن أبي جمرة: نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسعة وستين جزءا فإذا قوبل كل جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا فيفيد أن الرحمة في الآخرة أكثر من النقمة وحكمة هذا العدد الخاص أنه عدد درج الجنة والجنة محل الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة (فمن ذلك الجزء) الواحد (يتراحم الخلق) أي يرحم بعضهم بعضا وفي رواية بها يتراحمون بها يعطف الوحش على ولدها وفي رواية تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض (حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن يصيبه) بمثناة تحتية أوله بضبط المصنف خص الفرس لأنها أشد الحيوان المألوف إدراكا ومع ما فيها من خفة وسرعة تتحرز أن يصل الضرر منها لولدها رحمة له وعطفا عليه وفيه إشارة إلى أن الرحمة التي في الدنيا بين الخلق تتكون فيهم يوم القيامة يتراحمون بها وإدخال السرور على المؤمنين إذ النفس يكمل فرحها بما وهب لها وحث على الإيمان