فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٣٥٥
صعبة فما بعدها أصعب وفيه أن عدم التنزه من البول كبيرة ووجهه النووي بأنه يستلزم بطلان الصلاة وتركها كبيرة وتعقبه العراقي بأن قضيته أنه ليس كبيرة لذاته وظاهر الحديث يخالفه فإنه رتب العذاب على ترك التنزه منه ولو كان لما يترتب عليه من بطلان الصلاة كان العذاب على تركها أو على الصلاة بنجس لا على ترك التنزه منه قال: فإن كان النووي لا يقول بأن ترك التنزه منه بانفراده كبيرة فلعله إنما صار كبيرة بالإصرار عليه ثم ترك التنزه منه إما بترك ملابسته وإما بغسله بتقدير حصول ملابسته فيستدل به على حرمة التضمخ بالبول بلا حاجة لمنافاته للتنزه عنه وعليه الشافعية وإطلاق الحديث الآمر بالتنزه عنه يتناول بوله وبول غيره وفيه أيضا وجوب الاستنجاء وهو مذهب الشافعي وأحمد والمشهور عن أبي حنيفة ومالك أنه سنة قال الحكيم: إنما كان عامة عذاب القبر من البول لأن البول من معدن إبليس من جوف الآدمي فإنه مقره ومقعده فإذا لم يتنزه منه دخل القبر بنجاسة العدو فعذب فيه، وصرح الحكيم أيضا بأن عذاب القبر إنما هو للمؤمنين لا للكافرين أما هم فعذابهم في القيامة لأن المؤمن حسابه في القبر أهون عليه من كونه بين يدي الله فيحاسبه الله في القبر على ألسنة الملائكة كأنه يستحي من عبده المؤمن فيعذب [ص 270] فيه ليخرج يوم القيامة طاهرا كما قال حذيفة في القبر حساب وفي الآخرة حساب فمن حوسب في القبر نجا ومن حوسب في الآخرة عذب إلى هنا كلامه وقال ابن عبد البر: الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق من أهل القبلة ممن حقن الإسلام دمه وخالفهما عبد الحق وقال: بل تعم الكافر قال ابن سيد الناس: وفي إضافة عذاب القبر إلى البول خصوصية محضة دون جميع المعاصي مع العذاب بسبب غيره إن أراد الله في حق بعض عباده انتهى (قط) من حديث قتادة (عن أنس) ثم عقبه مخرجه الدارقطني بقوله مرسل انتهى وقال الذهبي: سنده وسط.
3369 (تنظفوا بكل ما استطعتم) من نحو سواك وحلق وإزالة وسخ وصنان وغير ذلك في بدن وملبوس (فإن الله تعالى بنى الإسلام على النظافة) شبهه ببيت قام على عمود أو أعمدة والمراد النظافة صورة ومعنى والشرائع كلها منظفات أو صورة عن الحدثين والخبث والمكروه والثناء عليها مبالغة لبناء الأصول من نحو صلاة وقراءة وزكاة وصوم وحج ومخالطة وفروعها عليها فالتشبيه من وجهين أو بمعنى أنها مما بنى عليه كخبر بني الإسلام على خمس فلا حصر ولا منافاة وبه انزاح الإشكال (ولن يدخل الجنة) مع السابقين الأولين أو بغير عذاب (إلا كل نظيف) أي نقي من الأدناس الحسية والمعنوية الظاهرة والباطنة كما تقرر وفيه أن النظافة مطلوبة في نظر الشرع وقد دل على هذا فيما ذكره بعضهم قوله تعالى * (ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) * (أبو الصعاليك الطرسوسي) بفتح الطاء والراء وضم المهملة مدينة مشهورة على ساحل البحر الشامي ينسب إليها كثير من العلماء (في جزئه عن أبي هريرة) ورواه ابن حبان في الضعفاء عن عائشة بلفظ تنظفوا فإن الإسلام
(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»
الفهرست