فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٦٣٣
الطغيان عند النعمة (والفخر بعطاء الله) أي ادعاء العظم والشرف (والكبر على عباد الله) أي التعاظم والترفع عليهم (واتباع الهوى) بالقصر (في غير ذات الله) فهذه الخصال أخلاقه وهي فخوخه ومصائده التي نصبها لبني آدم فإذا أراد الله بعبد شرا خلا بينه وبين الشيطان فتحلى بهذه الأخلاق فوقع في شبكته فكان من الهالكين ومن أراد به خيرا أيقظه ليتجنب تلك الخصال ويتباعد عنها ليصير من أهل الكمال (ابن عساكر) في التاريخ (عن النعمان بن بشير) قضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجا لأشهر من ابن عساكر وهو عجب فقد خرجه البيهقي في الشعب باللفظ المزبور عن النعمان المذكور وفيه إسماعيل بن عياش أورده الذهبي في الضعفاء وقال مختلف فيه.
2384 - (إن للشيطان لمة) بالفتح قرب وإصابة من الإلمام وهو القرب (يا بن آدم وللملك لمة) المراد بها فيهما ما يقع في القلب بواسطة الشيطان أو الملك (فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق) فإن الملك والشيطان يتعاقبان على القلب تعاقب الليل والنهار فمن الناس من يكون ليله أطول من نهاره وآخر بضده ومنهم من يكون زمنه نهارا كله وآخر بضده، قال القاضي والرواية الصحيحة إيعاد على زنة إفعال في الموضعين (فمن وجد ذلك) أي إلمام الملك (فليعلم أنه من الله) يعني مما يحبه ويرضاه (فليحمد الله) على ذلك (ومن وجد الأخرى) أي لمة الشيطان (فليتعوذ بالله من الشيطان) تمامه ثم قرأ * (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء) * [البقرة: 268] اه‍ قال القاضي والإيعاد وإن اختص بالشر عرفا يقال أوعد إذا وعد وعدا شرا إلا أنه استعمل في الخير للازدواج والأمن من الاشتباه بذكر الخير بعده اه‍ ونسب لمة الملك إلى الله تعالى تنويها بشأن الخير وإشادة بذكره في التمييز بين اللمتين لا يهتدي إليه أكثر الناس والخواطر بمنزلة البذر فمنها ما هو بذر السعادة ومنها ما هو بذر الشقاوة وسبب اشتباه الخواطر أربعة أشياء لا خامس لها كما قاله العارف السهروردي ضعف اليقين أو قلة العلم بمعرفة صفات النفس وأخلاقها أو متابعة الهوى بخرم قواعد التقوى أو محبة الدنيا ومالها وجاهها وطلب المنزلة والرفعة عند الناس فمن عصم من هذه الأربعة فرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ومن ابتلى بها لم يفرق وانكشاف بعض الخواطر دون بعض لوجود هذه الأربعة دون بعض واتفقوا على أن كل من أكل من الحرام لا يفرق بين الوسوسة والإلهام (تنبيه) قال الغزالي الآثار الحاصلة في القلب هي الخواطر سميت به لأنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها والخواطر هي المحركة للإرادات وتنقسم إلى ما يدعو إلى الشر أعني ما يضر في العاقبة وإلى ما يدعو إلى الخير أي ما ينفع في الآخرة فهما خاطران مختلفان فافتقر إلى اسمين مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاما والمذموم يسمى وسواسا وهذه الخواطر حادثة وكل حادث لا بد له من سبب ومهما
(٦٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 628 629 630 631 632 633 634 635 636 637 638 ... » »»