فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٦٢٩
العسكري هذا على المجاز والتوسع فإنه لما قربهم واختصهم كانوا كأهله ومنه قيل لأهل مكة أهل الله لما كانوا سكان بيته وما حوله كانوا كأهله (حم ن ه ك عن أنس) قال الحاكم روي من ثلاثة أوجه هذا أجودها اه‍ وفي الميزان رواه النسائي وابن ماجة من طريق ابن مهدي عن عبد الرحمن بن بديل وأحمد عن عبد الصمد عن ابن بديل تفرد به وقد ضعفه يحيى ووهاه ابن حبان وقواه غيرهما.
2375 - (إن لله تعالى آنية) جمع إناء وهو وعاء الشئ (من أهل الأرض) من الناس أو من الجنة والناس أو أعم (وآنية ربكم) في أرضه (قلوب عباده الصالحين) أي القائمين بما عليهم من حقوق الحق والخلق بمعنى أن نور معرفته تملأ قلوبهم حتى تفيض على الجوارح وأما حديث ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن فلا أصل له (وأحبها إليه) أي أكثرها حبا عنده (ألينها وأرقها) فإن القلب إذا لان ورق وانجلى صار كالمرآة الصقيلة فإذا أشرفت عليه أنوار الملكوت أضاء الصدر وامتلأ من شعاعها فأبصرت عين الفؤاد باطن أمر الله في خلقه فيؤديه ذلك إلى ملاحظة نور الله تعالى فإذا لاحظه فذلك قلب استكمل الزينة والبهاء بما رزق من الصفاء فصار محل نظر الله من بين خلقه فكلما نظر إلى قلبه زاده به فرحا وله حبا وعزا واكتنفه بالرحمة وأراحه من الزحمة وملأه من أنوار العلوم قال حجة الإسلام وهذه الأنوار مبذولة بحكم الكرم الرحمني غير مضنون بها على أحد فلم تحتجب عن القلوب لبخل ومنع من جهة المنعم تعالى عن البخل والمنع بل لخبث وكدورة وشغل من جهة القلوب لما تقرر أن القلب هو الآنية والآنية ما دامت مملوءة بالماء لا يدخلها الهواء والقلوب مشغولة بغير الله لا تدخلها المعرفة بجلال الله (طب عن أبي عنبة) بكسر المهملة وفتح النون والموحدة الخولاني اسمه عبد الله بن عنبة أو عمارة صحابي له حديث قيل أسلم في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يره بل صحب معاذ بن جبل ونزل بحمص ومات في خلافة عبد الملك على الصحيح قال الهيثمي إسناده حسن وقال شيخه العراقي فيه بقية بن الوليد وهو مدلس لكنه صرح بالتحديث فيه.
2376 - (إن للإسلام ضوي) بفتح الضاد العجمة والتنوين كذا ذكره البعض لكن في النهاية الجزم بأنه بصاد مهملة أي أعلاما منصوبة يستدل بها عليه واحدتها ضوة كقوة قال في الفردوس والنهاية والصوى أعلام منصوبة من الحجارة في الفيافي والمفاوز يستدل بها على الطريق وفي المصباح الضوة العلم من الحجارة المنصوبة في الطريق والجمع ضوي كمدية ومدى وقال الزمخشري الضوى والأضوى حجارة مركومة جعلت أعلاما قال ومن المجاز إن للإسلام صوى ومنار كمنار الطريق انتهى (ومنارا) أي شرائع يهتدى بها (كمنارة الطريق) أراد أن الإسلام طرائق وأعلاما يهتدى بها وهي واضحة الظاهر وأما معرفة حقائقه وأسراره فإنما يدركها أولو الألباب والبصائر الذين أشرق نور اليقين على قلوبهم فصار كالمصباح فانجلا له حقيقة الحق ولاح وأما المكب على الشهوات المحجوبة باللذات فقلبه مظلم لا يبصر تلك الأسرار وإن كانت عند أولئك كالشمس في رابعة النهار ولهذا قال
(٦٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 624 625 626 627 628 629 630 631 632 633 634 ... » »»