فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٦٣٦
الجلاء لا يرى فيها الناظر ما غاب عنه وكذا القلب كلما صفا من كدورات أخلاق النفس والطبع ورق بدوام الموعظة والذكر وانجلى عن وجهه ظلمات الهوى والغفلة وزايله رين الذنب والغفلة نظر إلى عالم الغيب بنور الإيمان إلى أن يرتقي إلى درجات الإحسان فيعبد الله كأنه يراه ويرى الجنة والنار وما فيها فيقبل على ربه وعمارة آخراه وجلاء ذلك الصدأ هو الاستغفار كما قال (وجلاؤها الاستغفار) أي طلب غفران الذنوب أي سترها وعدم المؤاخذة بها لأن العبد بايع الله يوم الميثاق أن يطيعه فلما دنس قلبه بدنس المخالفة خرج من ستره فتعرى فأذن له ربه بالتوبة فلما طلبها مضطرا واستغفر المرة بعد المرة طهر قلبه من الدنس وانجلت مرآته لكن ينقص نوره كالمرآة التي يتنفس فيها ثم تمسح فإنها لا تخلو عن كدورة وذلك لأن القلب أعني اللطيفة المدبرة لجميع الجوارح المطاعة المخدومة من جميع الأعضاء وهي بالإضافة إلى حقائق المعلومات كالمرآة بالإضافة إلى المتلونات فكما أن المرآة إذا علاها الصدأ والكدر أظلمت واحتاجت للجلاء فكذلك القلب مرآة تكدره المعاصي والخبث الذي يتراكم على وجهه من كثرة الشهوات لأن ذلك يمنع صفاءه فيمنع ظهور الحق فيه بقدر ظلمته وتراكمه وجلاؤه الاستغفار وسلوك طريق الأبرار فإذا وقع ذلك عاد القلب كما كان قبل العصيان لكن ليست المرآة التي تدنس ثم تمسح كالمصقلة التي لم تدنس قط ذكره الغزالي وقال ابن عربي القلب مرآة مصقولة لا تصدأ ابدا وإطلاق الصدأ عليها في هذا الحديث ليس المراد به أنه طخاء طلع على وجه القلب بل لما تعلق واشتغل بعلم الأسباب عن العلم بالله كان تعلقه بغير الله صدأ على وجهه لكونه المانع من تجلي الحق إليه لأن الحضرة الإلهية متجلية دائما لا يتصور في حقها حجاب عنا فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعي المحمود لقبوله غيرها عبر عن قبول الغير بالصدأ والكن والقفل والعمى والران ونحوها فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء مصقولة صافية فكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية من حيث هو ياقوت أحمر الذي هو التجلي الذاتي فذلك قلبه المشاهد الكامل الذي لا أحد فوقه في تجل من التجليات ودونه تجلي الصفات ودونهما تجلي الأفعال من حيث كونها من الحضرة الإلهية ومن لم يتجل له منها القلب الغافل عن الله المطرود عن قربه انتهى قال الراغب: والاستغفار استفعال من الغفران وأصله من العفو وهو إلباس الشئ ما يصونه عن الدنس ومنه قيل اغفر ثوبك في الوعاء فإنه أغفر للوسخ والغفران والمغفرة من الله تعالى أن يصون العبد عن أن يمسه ألم العذاب (الحكيم) الترمذي (عد) كلاهما (عن أنس) ورواه عنه باللفظ المزبور والبيهقي في الشعب والطبراني في الأوسط والصغير قال الهيثمي وفيه الوليد بن سلمة الطبراني وهو كذاب أه‍.
2390 - (إن للمؤمن في الجنة لخيمة) بفتح لام التوكيد أي بيتا شريف المقدار عالي المنار وأصل الخيمة بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر (من لؤلؤة) بهمزتين وبحذفهما وبإثبات الأولى لا الثانية وعكسه (واحدة) تأكيد (مجوفة) واللؤلؤ معروف (طولها ستون ميلا) أي في السماء وفي رواية عرضها
(٦٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 631 632 633 634 635 636 637 638 639 640 641 ... » »»