فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٦٣
في الشرع يطلق على أمرين أحدهما دون الإيمان وهو الأعمال الظاهرة في قوله تعالى: * (قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * [الحجرات: 14] والثاني فوقه وهو أن يكون مع الأعمال اعتقاد بالقلب مع الإخلاص والإحسان والاستسلام لله فيما قضى وقدر فالمراد بالأفضل هنا المستسلم للقضاء والقدر فكأنه قال من أسلم وجهه لله رضى بتقديره ولم يتعرض لأحد من المسلمين بإيذاء فهو أفضلهم (وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) بالضم، ذكر حسن الخلق مع الإيمان لأن محاسن الأخلاق هي الأوصاف الباطنة والإيمان تصديق القلب وهو باطن فحصلت المناسبة كما حصلت في ذكر اليد واللسان مع الإسلام (وأفضل المهاجرين) من الهجر، أي الترك وهو بمعنى المهاجر وإن كان لفظ المفاعلة يقتضي وقوع فعل من اثنين لكن المراد الواحد كالمسافر ويمكن كونه على بابه يتكلف (من هجر ما نهى الله عنه) أي أفضل المهاجرين من جمع إلى هجر وطنه هجر ما حرم الله عليه والهجرة ظاهرة وباطنة، فالباطنة ترك متابعة النفس الأمارة والشيطان والظاهرة الفرار بالدين من الفتن (وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل) فإن مجاهدتها أفضل من جهاد الكفار والمنافقين والفجار لأن الشئ إنما يفضل ويشرف بشرف ثمرته وثمرة مجاهدة النفس الهداية * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) * [العنكبوت: 69] وكفى به فضلا وقد أمر الله بمجاهدة النفس فقال * (وجاهدوا في الله حق جهاده) * [الحج: 78] فإذا التقى القلب والنفس للمحاربة هذا بجنود الله من العلم والعقل وهذه بجنود الشيطان من الهوى والشهوة، والغضب فتشعبت هذه الأنوار فأشرقت واشتعل الهوى والشهوة والغضب فاضطربا وتحاربا فلذلك وقت يباهي الرب بعبده ملائكته والنصرة موضوعة في ملك المشيئة في حجاب القدرة فيعطي نصره مشيئته فيصل إليه في أسرع من لحظة فإذا رأى الهوى النصرة ذل وانهزم فانهزم العدو بجنوده وأقبل القلب بجمعه وجنوده على النفس حتى أسرها وحبسها في سجنه وجمع جنوده وفتح باب الخزائن ورزق جنده من المال وقعد في ملكه * (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) * [الفرقان: 70] (طب عن ابن عمرو) بن العاص وإسناده حسن ذكره الهيثمي وعمرو يكتب بالواو في الرفع والجر تمييزا بينه وبين عمر ولم يعكس لخفة عمرو بثلاثة أشياء فتح أوله وسكون ثانيه وصرفه وأما في النصب فالتمييز بالألف.
1293 - (أفضل المؤمنين) أي أكثرهم ثوابا أو أرفعهم درجة يعني من أفضلهم في ذلك (أحسنهم خلقا) بالضم لأن الله يحب الخلق الحسن كما ورد في السنن، فمن عدم حسنه أو كماله أمر بالمجاهدة والرياضة ليصير محمودا أو كمال الخلق إنما ينشأ عن كمال العقل إذ هو يقتبس الفضائل ويجتنب الرذائل والعقل لسان الروح وترجمان العقل للبصيرة وقد طال النزاع بين القوم هل الخلق غريزي أو مكتسب والأصح أنه متبعض، تنبيه: قال الإمام الرازي: من العلماء من قال إنما يجب القول الحسن والخلق الحسن مع المؤمنين أما مع الكفار والفساق فلا لأنه يجب لعنهم وذمهم والمحاربة معهم ولقوله تعالى: * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * [النساء: 148] ومنهم من ذهب إلى العموم وهو الأقوى لأن موسى وهارون مع جلالة منصبهما أمرا بالرفق واللين وتجنب الغلظة (ه ك عن ابن عمر) بن الخطاب.
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»