فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢٧٣
إنزال الملائكة الموكلين بمباشرة مخلوقات الأرض من الداء والدواء (وجعل لكل داء دواء) أي خلق ذلك وجعله شفاء يشفي من الداء وحكمة تعلق الأسباب بالمسببات لا يعلم حقيقتها إلا عالم الخفيات (فتداووا) ندبا أمر بالتداوي لمن أصابه مرض، أما السليم فلا ينبغي له التداوي (1) لأن الدواء إذا لم يصادف داء ضر قال الطيبي وقوله فتداووا مطلق له شيوع فلذلك قال: (ولا تداووا بحرام) (2) يعني أنه تعالى خلق لكل داء دواء حراما كان أو حلالا فلا تداووا بالحرام أي يحرم عليكم ذلك (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها) فالتداوي بمحرم محرم والأصح عند الشافعية حل التادوي بكل نجس إلا الخمر والخبر موضعه إذا وجد دواء طاهرا يغني عن النجس جمعا بين الأخبار (فائدة) أخرج حميد بن زنجويه أن أناسا جاؤوا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم من الأنصار فقالوا إن أخانا استسقى بطنه أفتأذن لنا أن نداويه قال بماذا قال يهودي هنا يشق بطنه فكره ذلك وقال لا آذن، حتى جاؤوه مرتين أو ثلاثا وفي كل ذلك يأبى حتى قال افعلوا فدعوا له اليهودي فشق بطنه ونزع منه فرخا عظيما ثم غسل بطنه ثم خاطه ثم داواه فصح وبرئ، فرآه المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو مار بالمسجد فقال أليس ذلك بفلان قالوا بلى فقال ادعوه إلي فنظر إلى بطنه فوجده قد صح فقال: إن الذي خلق الداء جعل له دواء إلا السام (د) في الطب (عن أبي الدرداء) قال الصدر المناوي فيه إسماعيل بن عياش وفيه مقال.
1697 - (إن الله تعالى أنزل بركات) أي كرامات (ثلاثا) من السماء كما في رواية وهي (الشاة والنخلة والنار) سماها بركات وساقها في معرض الامتنان لان الشاة عظيمة النفع في الدر والنسل وتلد الواحدة اثنين وثلاثا بل وأربعا في بطن وثمر النخل هو الجامع بين التلذذ والتغذي وبذلك تميز عن سائر الفواكه. والنار لا بد منها لقيام نظام هذا العالم (طب عن أم هانئ) قالت: دخل (ص) فقال: مالي لا أرى عندك من البركات شيئا؟ قلت: وأي بركات تريده فذكره قال الهيثمي وفيه النضر بن حميد وهو متروك.
1698 - (إن الله أوحى إلي) وحي إرسال وزعم أنه وحي إلهام خلاف الأصل والظاهر بلا

(1) أي لأن الدواء إذا لم يجد في البدن ما يحلله أو وجد داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه ولكن زادت كميته عليه تشبث بالصحة وعبث بها في الإفساد والتحقيق أن الأدوية من جنس الأغذية فمن غالب أغذيتهم مفردات كأهل البوادي فأمراضهم قليلة جدا وطبهم بالمفردات، ومن غالب أغذيتهم مركبات كأهل المدن يحتاجون إلى الأدوية المركبة أو سبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة وهذا برهان بحسب الضيافة الطبية.
(2) وقد استدل الإمام أحمد بهذا الحديث وحديث إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها على أنه لا يجوز التداوي بمحرم ولا بشئ فيه محرم كألبان الإتن واللحوم المحرمات والترياق.
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»