فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢٨٤
اعبد الله كأنك تراه فجاء بكاف التشبيه فمن لم يصل فهمه إلى أكثر من الجمال المقيد قيده به فأحبه لكماله ولا حرج عليه لإتيانه بالمشروع على قدر وسعه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها فبقي حبه تعالى للجمال وهي رتبة أهل الكمال فأحبه في كل شئ فإن العالم خلقه الله في غاية الأحكام والإتقان كما قال حجة الإسلام ليس في الإمكان أيدع مما كان فالعام جمال الله وهو الجميل المحب للجمال فمن أحب العالم بهذا النظر فما أحب إلا جمال الله إذ جمال الصنعة لا يضاف إليها بل إلى صانعها (م) في الإيمان (ت) في البر (عن ابن مسعود) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس هكذا سياق مسلم والترمذي (طب عن أبي أمامة) الباهلي (ك عن ابن عمر) ابن الخطاب (وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله (وعن ابن عمر) قال ابن مسعود قلت يا رسول الله أمن الكبر أن ألبس الحلة الحسنة فذكره، قال الحاكم احتجا بروايته وأقره الذهبي وقد وهم أعني الحاكم في استدراكه.
1721 - (إن الله جميل) أي جميل الذات والأفعال كما تقرر، قال الزمخشري والعرب تصف الشئ بفعل ما هو من سببه (يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده) أي أثر الجدة من فيض النعم عليه زيا وإنفاقا وشكرا لله تعالى فهو تارة يكون بالقال وتارة يكون بالحال وتارة يكون بالفعال (ويبغض البؤس والتباؤس) ومن آثار جمال أفعاله تقدس الرضى من عباده باليسير من الشكر وإثابة الكثير من الأجر على قليل العمل المدخول ويجعل الحسنة عشرا ويزيد من شاء ما شاء ويعفو عن السيئات ويستر الزلات فعلى عباده أن يتجملوا معه في إظهار نعمته عليهم المؤذن بقلة إظهار السؤال لغيره والطلب ممن سواه وتجنب أضداد ذلك من إظهار البؤس والفاقة (فإن قلت) ينافي هذا الحديث ما سبق من الأمر بلبس الخشن من الثياب في حديث (قلت) قد يقال إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال ولكل مقام مقال وقد كان جعفر الصادق رضي الله عنه يلبس الجبة على بدنه ويلبس الثياب الفاخرة وفوقها فقال له بعض من اطلع على حاله في ذلك فقال نلبس الجبة لله والخز لكم فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه، ثم رأيت الغزالي رضي الله تعالى عنه قال (فإن قلت) فقد قال عيسى عليه السلام جودة الثياب خيلاء القلب، وسئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن الجمال في الثياب أهو من الكبر فقال: لا فكيف الجمع فاعلم أن الثوب الجيد ليس من ضرورته التكبر في حق كل أحد في كل حال كما أن الثوب الدون قد لا يكون من التواضع وعلامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس ولا يبالي إذا انفرد بنفسه كيف يكون وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شئ حتى في خلوته وحتى في ستور داره، فليس ذلك من الكبر، فقول عيسى هو من خيلاء القلب يعني يورث ذلك، وقول نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ليس من الكبر يعني الكبر لا يوجبه ويجوز أن يكون منه فالأحوال تختلف (هب عن أبي سعيد) الخدري وفيه
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»