فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢٦٨
الانعام عليهم بمغفرة ذنوبهم واللاحقة (فقال) لهم (اعملوا ما شئتم) أن تعملوا (فإني قد غفرت لكم) ذنوبكم (1) أي سترتها فلا أواخذكم بها لبذلكم مهجكم في الله ونصر دينه والمراد إظهار العناية بهم وإعلاء رتبتهم والتنويه بإكرامهم والاعلام بتشريفهم وإعظامهم لا الترخيص لهم في كل فعل كما يقال للمحب افعل ما شئت أو هو على ظاهره والخطاب لقوم منهم على أنهم لا يقارفون بعد بدر ذنبا وإن فارقوه لم يصروا بل يوفقون لتوبة نصوح، فليس فيه تخييرهم فيما شاؤوا وإلا لما كان أكابرهم بعد ذلك أشد خوفا وحذرا مما كانوا قبله وبذلك سقط ما قبله إن هذا من المشكل لأنه إباحة مطلقة وهو خلاف عقد الشرع، وأما الجواب بمثل أن المراد الاعمال الماضية لا المستقبلة فكما أنه لا يلائم السياق يدفعه لفظ اعملوا (ك عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا أحمد وأبو داود باللفظ المزبور فاقتصار المؤلف على الحاكم غير جيد وفي الباب علي وابن عمر وغيرهما ورواه البخاري بلفظ لعل الله أطلع على أهل بدر فقال الخ قالوا والترجي في كلام الله تعالى ورسوله (ص) للوقوع.
1687 - (إن الله تعالى أعطاني فيما من به علي) أن قال لي أو قائلا، ففيه التفات (إني أعطيتك فاتحة الكتاب) أم القرآن (وهي من كنوز عرشي) أي المخبوءة المدخرة تحته (ثم قسمتها بيني وبينك نصفين) أي قسمين فإن كل ما ينقسم قسمين يسمى أحدهم نصفا وإن كان بينهما تفاوت كما يقال الايمان هو العلم، والعمل نصف الايمان ولا يدل ذلك أن العمل يساوي العلم ذكره الغزالي ويأتي

(1) قال القرطبي هذا خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة وتأهلوا أن يغفر لهم ما يستأنف من الذنوب اللاحقة ولا يلزم من وجود الصلاحية للشئ وقوعه فقد أظهر الله صدق رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر عنه بشئ من ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا وإن قدر صدور شئ من أحدهم لبادر إلى التوبة.
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»