فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢٦٧
يكون أحد أكبر منه ولا يلزم منه أن يكون التسبيح أفضل من التهليل إذ التهليل صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له ولأن نفي التهليل في قوله لا إله نفي لمصححاتها من الخالقية والرازقية وكونه مثيبا ومعاقبا من الغير وقوله إلا الله إثبات له ويلزم منه نفي ما يضاد الإلهية ويخالفها من النقائص، فمنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ومفهومه تقديس فإذا اجتمعا دخلا في مفهوم الطرد والعكس. إلى هنا كلام الطيبي. وأخذ منه بعضهم أن الحمد أفضل من التسبيح لأن في التحميد إثبات سائر صفات الكمال والتسبيح تنزيه عن سمات النقص والإثبات أكمل من السلب وادعى بعضهم أن الحمد أكثر ثوابا من التهليل ورد بأن في خير البطاقة المشهور ما يفيد أن لا إله إلا الله لا يعدلها شئ (حم ك) في الدعاء والذكر (والضياء) في المختارة (عن أبي سعيد) الخدري (وأبي هريرة معا) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح.
1685 - (إن الله تعالى اصطفى موسى بالكلام) أي بالتكليم له وهو في الأرض (1) وأما محمد فوقع له ذلك في العالم العلوي فتلك هي المختصة بموسى. ذكره بعض المحققين (وإبراهيم بالخلة) أي بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله كما مر ذلك مبينا (ك) في كتاب الأنبياء (عن ابن عباس) قال الحاكم على شرط البخاري وأقره الذهبي.
1686 - (إن الله اطلع على أهل بدر) الذين حضروا مع المصطفى صلى الله عليه وسلم بقصد إعلاء كلمة الجبار وهم ثلاثة أو أربعة عشر (2) يعني نظر الله إليهم نظر رحمة وعطف وقد ارتقوا إلى مقام يقتضي

(1) أي بلا واسطة والكلام الذي سمعه موسى عليه الصلاة والسلام كلام الله حقيقة لا مجازا فلا يكون محدثا فلا يوصف بأنه محدث بل هو قديم لأنه الصفة الأزلية الحقيقية وهذا ما ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعري وأتباعه وقالوا كما لا يتعذر رؤية ذاته تعالى مع أنه ليس جسما ولا عرضا كذلك لا يتعذر سماع كلامه مع أنه ليس حرفا ولا صوتا وذهب الشيخ أبو منصور الماتريدي والأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني أن موسى إنما سمع صوتا دالا على كلام الله أي دالا على ذلك المعنى لكن لما كان بلا واسطة الكتاب والملك خص باسم الكليم وأما نفس المعنى المذكور فيستحيل سماعه لأنه يدور مع الصوت فالقول بسماع ما ليس من جنس الحروف والأصوات غير معقول.
(2) وخرج صلى الله عليه وسلم يقصد العير فأتاه الخبر بأنها قد سبقت ونزل جبريل وقال إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إما العير وإما قريشا وكان العير أحب إليهم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في طلب العير وحرب النفير فقام أبو بكر فقال فأحسن ثم قام عمر فقال فأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك والله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى * (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) * ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة لجاهدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار فقال سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال أجل قال قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشطه ذلك وقال سيروا على بركة الله فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم.
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»