فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٧
كافرا ويموت كافرا) وهذا القسم هم أهل الشقاوة (ومنهم من يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت كافرا) أي يسبق عليه الكتاب فيختم له بالكفر (ومنهم من يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت مؤمنا) أي يختم له بالإيمان فيصير من أهل السعادة.
(ألا إن الغضب جمرة توقد) أي تتوقد فحذف إحدى التاءين للتخفيف (في جوف ابن آدم ألا ترى إلى حمرة عينيه) عند الغضب (وانتفاخ أوداجه) جمع ودج بفتح الدال وتكسر وهو عرق الاخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة ويسمى الوريد أيضا وذلك لأن الله خلقه من نار وعجنه بطينة الإنسان فمهما نوزع في شئ من الأغراض اشتعلت نار الغضب فيه وفارت فورانا يغلي منه دم القلب وينتشر في العروق فيرتفع إلى أعلى البدن ارتفاع الماء في القدر ثم ينصب في الوجه والعينين فيحمرا منه إذ البشرة لصفائها تحكي ما وراءها وإذا تكيف بهذه الحالة ارتعدت أطرافه واضطربت حركاته وأزبدت أشداقه واحمرت أحداقه وخرج عن حيز الاعتدال حتى لو رأى نفسه سكن غضبه حياء من قبح صورته ولو كشف له عن باطنه لرآه أقبح من ظاهره فإنه عنوانه الناشئ عنه قال الغزالي قال بعض الأنبياء لإبليس بأي شئ تغلب ابن آدم قال آخذه عند الغضب وعند الهوى، وظهر إبليس لراهب فقال له أي أخلاق بني آدم أعون لك قال الحدة فإذا كان العبد حديدا قلبناه كما تقلب الصبيان الكرة (فإذا وجد أحدكم) في نفسه (شيئا من ذلك) يعني من بوادر الغضب (فالأرض الأرض) أي فليضطجع بالأرض ويلصق نفسه فيها لتنكسر حدته وتذهب حدة غضبه، وفي رواية فليلزق بالأرض وفي أخرى فليجلس ولا يعدو به الغضب فيجلسه في نفسه ولا يعديه إلى غيره بإيذائه والانتقام منه، ولاستحالة هذا المعنى في حقه تعالى كان غضبه هو إرادة الانتقام فتكون صفة ذات أو الانتقام نفسه فتكون صفة فعل (ألا إن خير الرجال) ذكر الرجال وصف طردي والمراد الآدميين ذكورا أو إناثا (من كان بطئ الغضب سريع الرضا وشر الرجال من كان) بعكس ذلك (سريع الغضب بطئ الرضا فإذا كان الرجل بطئ الغضب بطئ الفئ) أي الرجوع (وسريع الغضب سريع الفئ فإنها بها) أي فإن إحدى الخصلتين تقابل الأخرى فلا يستحق مدحا ولا ذما ومن هنا قال الراغب والغزالي في الغضب نار تشتعل والناس مختلفون فيه فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود سريع الخمود وبعضهم كالغضا بطئ الوقود بطئ الخمود وبعضهم سريع الوقود بطئ الخمود وبعضهم بالعكس وهو أحمدهم ما لم يفض به إلى زوال حميته وفقد غيرته واختلافهم تارة يكون بحسب الأمزجة فمن كان طبعه حارا يابسا يكثر غضبه ومن كان بخلافه يقل وتارة يكون بحسب اختلاف العادة فمن الناس من تعود السكون والهدوء وهو المعبر عنه بالذلول والهين واللين ومنهم من تعود الطيش والانزعاج فيتحدث بأدنى ما يسمعه ككلب يسمع حسا فيعوي
(٢٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»