فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٦
(البيهقي في الدلائل) أي في كتاب دلائل النبوة (وابن عساكر) في تاريخه (عن عقبة بن عامر الجهني) قال خرجنا في غزوة تبوك فاسترقد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان منها على ليلة فلم يستيقظ حتى كانت الشمس كرمح فقال ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر فقال يا رسول الله ذهب بي الذي ذهب بك فانتقل غير بعيد ثم صلى ثم حمد الله ثم أثنى عليه ثم قال أما بعد إلى آخره (أبو نصر) عبد الله بن سعيد (السجزي) بكسر السين المهملة وسكون الجيم نسبة لسجستان على غير قياس (في الإبانة) أي في كتاب الإبانة له (عن أبي الدرداء) مرفوعا (ش) وكذا أبو نعيم في الحلية والقضاعي في الشهاب قال بعض شراحه حسن غريب (عن ابن مسعود موقوفا) ورواه العسكري والديلمي عن عقبة.
1610 - (أما بعد فإن الدنيا) في الرغبة والميل إليها وحرص النفوس عليها كالفاكهة التي هي (خضرة) في المنظر (حلوة) في المذاق وكل منهما يرغب فيه منفردا فكيف إذا اجتمعا وقال الأكمل الحلو ما يميل إليه الطبع السليم والأخضر الطري الناعم وأراد أن صورة الدنيا ومتاعها حسن المنظر يعجب الناظر (وإن الله مستخلفكم فيها) أي جاعلكم خلفا في الدنيا (فناظر كيف تعملون) يعني أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله خلقها وخولكم إياها وخولكم الاستمتاع فيها وجعلكم خلفا بالتصرف فيها فليست هي بأموالكم حقيقة بل أنتم فيها بمنزلة الوكلاء فناظر هل تتصرفون فيها على الوجه الذي يرضى به المستخلف أو لا والمراد مستخلفكم فيما كان بأيدي من قبلكم بتوريثكم إياهم فناظر هل تعتبرون بحالهم أو لا وكيفية النظر من المتشابه نؤمن بأنه يصير ولا تشتغل بكيفيته والحديث مسوق للحذر من زخرف الدنيا وزهرتها (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء) خصص بعد ما عمم إيذانا بأن الفتنة بهن أعظم الفتن الدنيوية فإنه سبحانه أخبر بأن الذي زين به الدنيا من ملاذها وشهواتها وما هو غاية أما في طلابها ومؤثريها على الآخرة سبعة أشياء أعظمها النساء اللاتي هن أعظم زينتها وشهوتها وأعظمها فتنة وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عمر أن إبليس لقي موسى عليه الصلاة والسلام فقال يا موسى إن لك علي حقا إياك أن تجالس امرأة ليست بمحرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها انتهى. ومن ثم قال (فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) يريد قتل النفس التي أمر بنو إسرائيل فيها بذبح البقرة واسم المقتول عاميل قتله ابن أخيه أو عمه ليتزوج ابنته أو زوجته وقال في المطامح يحتمل كونه أشار إلى قصة هاروت وماروت لأنهما فتنا بسبب امرأة من بني إسرائيل، ويحتمل أنه أشار إلى قضية بلعام بن باعوراء لأنه إنما هلك بمطاوعة زوجته وبسببهن هلك كثير من العلماء (ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى) أي متفرقة قال في الصحاح أمر شتت بالفتح أي متفرق وشتته فرقه وقوم شتى وأشتاتا أي متفرقون وقال الزمخشري تقول تفرقوا شتى وأشتاتا (منهم من يولد ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا) وهذا الفريق هم سعداء الدنيا والآخرة (ومنهم من يولد كافرا ويحيا
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»