فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٢
من اليد الآخذة (3) (وما قل) من الدنيا (وكفى) الإنسان لمؤنته ومؤنة من عليه مؤنته (خير مما كثر وألهى) عن الله والدار الآخرة لأن الاستكثار من الدنيا يورث الهم والغم وقسوة القلب وشدة الحرص وينسي الموت والقبر والثواب والعقاب وأحوال الآخرة (وشر المعذرة حين يحضر الموت) فإن العبد إذا اعتذر إلى الله بالتوبة عند احتضاره ووقوعه في الفزع لا يفيده فمراده الاعتذار عند الغرغرة ومعاينة ملك الموت وهي حالة كشف الغطاء واليأس من البقاء * (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) * [النساء: 18] (وشر الندامة) أي الحزن وقال الراغب الندم التحسر على ما فات (يوم القيامة) فإنها لا تنفع يومئذ ولا تفيد (ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرا) بفتح أو ضم المهملة كذا ذكره بعضهم وقال العسكري الصواب بضمتين ونصبه على الظرف أي بعد فوت الوقت (ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا) أي تاركا للإخلاص كأن قلبه هاجر للسانه * (يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) * [آل عمران: 172] لا يدعوهم إلى موافقة العاملين إلا استقباح المذمة من الناس والسطوة من السلطان أو العيب من الإخوان والجيران * (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) * [التوبة: 54] (وأعظم الخطايا اللسان الكذوب) وهو الذي تكرر كذبه حتى صار صفة له حتى يأتي بالكبائر كلها كالقذف والبهتان وشهادة الزور وغيرها وربما أفضى إلى الكفر فإن اللسان أعظم عملا من سائر الجوارح فإذا تعود الكذب أورد صاحبه المهالك (وخير الغنى غنى النفس) فإنه الغنى على الحقيقة وفقير النفس لا يزال في هم وغم على تحصيل الدنيا والحرص على جمعها بقوله أخاف الفقر في الكبر وغير ذلك (وخير الزاد) إلى الآخرة (التقوى) * (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) * [البقرة قال الغزالي سمعت خيرات الدنيا والآخرة تحت هذه الخصلة التي هي التقوى وتأمل ما في القرآن من ذكرها كم علق بها من خير ووعد عليها من ثواب وكم أضاف إليها من سعادة، ومدار العبادة على ثلاثة أصول الأول التوفيق والتأييد وهو للمتقين قال الله تعالى:
* (أن الله مع المتقين) * [التوبة: 36] الثاني إصلاح العمل واتقاء التقصير وهو للمتقين قال الله تعالى:
* (يصلح لكم أعمالكم) * [الأحزاب: 71] الثالث قبول العمل وهو للمتقين قال الله تعالى:
* (إنما يتقبل الله من المتقين) * [المائدة: 27] فالتقوى هي الجامعة للخيرات الكافية للمهمات الرافعة للدرجات (ورأس الحكمة مخافة الله) أي الخوف منه أصلها واسمها فمن لم يخف الله فباب الحكمة عليه مسدود (وخير ما وقر في القلب اليقين) أي خير ما سكن فيه نور اليقين فإنه المزيل لظلمة الريب قال الزمخشري من المجاز وقر في قلبه كذا وقع وبقي أثره وكلمته وقرت في إذنه ثبتت (والارتياب) أي الشك في شئ مما جاء به الرسول (من الكفر) بالله تعالى (والنياحة من عمل الجاهلية) أي النوح

(1) أي إذا لم يكن الأخذ محتاجا لخير ما المعطي من سعة بأفضل من الاخذ إذا كان محتاجا.
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»