فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٣٠
1453 - (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) وهو ما لم يؤذن في تعلمه شرعا، أو ما لا يصحبه عمل أو ما لا يهذب الأخلاق الباطنة فيسري منها إلى الأفعال الظاهرة ويفوز بها إلى الثواب الآجل وأنشد: يا من تقاعد عن مكارم خلقه * * ليس التفاخر بالعلوم الزاخرة من لم يهذب علمه وأخلاقه * * لم ينتفع بعلومه في الآخرة.
وقدم العلم على العمل لأن العمل بدون علم ضلال (وعمل لا يرفع) إلى الله رفع قبول لفقد نحو إخلاص ومصاحبة نحو رياء (ودعاء لا يستجاب) أي لا يقبله الله وإنما استعاذ من ذلك لأن العلم إذا لم ينفع لا يخلص صاحبه منه كفافا بل يكون وبالا، والعمل إذا لم يرفع كان مردودا على فاعله مغضوبا عليه. والدعاء إذا لم يقبل دل على غل في صدر صاحبه (حم حب ك عن أنس) بن مالك رمز المصنف لصحته.
1454 - (اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) أي اجمعني في جماعتهم بمعنى اجعلني منهم قال في الصحاح: الحشر الجمع، والزمرة بالضم الجماعة. قال اليافعي: وناهيك بهذا شرفا للمساكين، ولو قال احشر المساكين في زمرتي لكفاهم شرفا، وكيف وقد قال واحشرني في زمرتهم ثم أنه لم يسأل مسكنة ترجع للقلة بل إلى الإخبات والتواضع، ذكره البيهقي، وجرى على قضيته حجة الإسلام حيث قال: استعاذته من الفقر لا تنافي طلب المسكنة، لأن الفقر مشترك بين معنيين: الأول الافتقار إلى الله والاعتراف بالذلة والمسكنة له، والثاني فقر الاضطرار وهو فقد المال المضطر إليه كجائع فقد الخبز، فهذا هو الذي استعاذ منه. والأول هو الذي سأله اه‍ وسئل الشيخ زكريا عن معنى هذا الحديث، فقال معناه طلب التواضع والخضوع وأن لا يكون من الجبابرة المتكبرين والأغنياء المترفين اه‍. ومنه أخذ السبكي قوله المراد استكانة القلب لا المسكنة التي هي نوع من الفقر فإنه أغنى الناس بالله (وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة) يعني من لم يرزق سعة في الدنيا بل كان فقيرا معدما وهو مع ذلك مقارف للذنوب، لا يرعوي ولا يتوب، وفارق الدنيا وهو مصر على هذا الحال لم يدركه العفو، فهو أشقى من كل شقي من المؤمنين بلا إشكال لأنه معذب في الدارين (ك) في الرقاق (عن أبي سعيد) الخدري وقال صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكن ضعفه في الميزان، وزعم ابن الجوزي وتيمية وضعه. قال ابن حجر: وليس كذلك بل صححه الضياء في المختارة وقال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي: أساء ابن الجوزي
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»