فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٨٦
الرحمن " وسميت البقرة لأن مقصودها إقامة الدليل على أن الكتاب هدى وأعظم ما يهدي إليه الإيمان بالغيب ويجمعه الأيمان بالآخرة ومداره على الإيمان بالبعث الذي أعربت عنه قصة البقرة فسميت بها وكانت بذلك أحرى من قصة إبراهيم لأنها في نوع البشر وما تقدمها في قصة بني إسرائيل من الإحياء بعد الإماتة بالصعق لأن الإحياء في قصة البقرة عن سبب ضعيف في الظاهر، وقد ورد في فضل الآيتين نصوص كثيرة وفيه رد على من كره أن يقال البقرة أو سورة البقرة بل السورة التي تذكر فيها البقرة.
وقول ابن الكمال لا حجة فيه لأن ما يكره من الأمة قد لا يكره من النبي صلى الله عليه وسلم غير سديد لأنا مأمورون بالاقتداء به في أقواله وأفعاله حتى يقوم دليل التخصيص - (فر عن أبي هريرة) وفيه محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني فإن كان البردى فصدوق أو الكيال فوضاع كما في الميزان.
28 - (ائت) يا إنسان، فهو خطاب عام من باب قوله:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا فهذا وأمثاله خطاب لجميع الأمة بحيث لا يختص به أحد دون أحد وقس عليه نظائره (المعروف) أي افعله (واجتنب المنكر) لا تقربه. قال القاضي: والمعروف ما عرفه الشرع أو العقل بالحسن والمنكر ما أنكره أحدهما لقبحه عنده. قال الراغب: والإتيان يقال للمجئ بالذات وبالأمر وبالتدبير وفي الخير وفي الشر وفي الأعيان والأعراض ومنه: * (إنه كان وعده مأتيا) * وقولهم ائت المروءة من بابها (وانظر) أي تأمل يا إنسان (ما يعجب أذنك) أي الشئ الذي يسرك سماعه ويعظم في قلبك وقعه من أعجب بكذا إذا سره. فإن قلت هلا اقتصر على قوله " يعجبك " وما فائدة ذكر الأذن والنفس هي المعجبة لا الأذن؟ قلت: لما كان الاستحسان مقترنا بالسماع أسند إليه لأن إسناد الفعل إلى الخارجة التي يعمل بها أبلغ. ألا تراك تقول: إذا أردت التوكيد هذا مما أبصرته عيني وسمعته أذني وعرفه قلبي. قال الراغب: والأذن الجارحة المعروفة وتستعار لمن أكثر استماعه وقبوله لمن يسمع نحو: * (ويقولون هو أذن) * (أن يقول لك القوم) أي فيك وعبر عنه بذلك نظرا إلى أنه إذا بلغه فكأنه خوطب به وهذا بيان لما أو بدل منه (إذا أقمت من عندهم) أي فارقتهم أو فارقوك يعني انظر إلى ما يسرك أن يقال عنك وفيك من ثناء حسن وفعل جميل ذكروك به حال غيبتك (فأته) أي افعله والزمه. قال في الكشاف: والقوم مؤنثة وتصغيرها قويمة (وانظر الذي) أي وتأمل الشئ الذي (تكره أن يقول لك القوم) أي فيك (إذا قمت من عندهم) من وصف ذميم كظلم وشح وسوء خلق (فاجتنبه) لقبحه، ونبه بذلك على ما يستلزمه من كف الأذى والمكروه عن الناس وأنه كما يحب أن ينتصف من حقه ومظلمته ينبغي له إذا كانت لأخيه عنده مظلمة أن يبادر لانتصافه من نفسه وإن كانت عليه فيها صعوبة، ومن ثم قيل للأحنف: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من نفسي، كنت إذا كرهت شيئا من غيري لا أفعل مثله بأحد ومصداقه في كلام الله القديم ففي الإنجيل: كلما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوه أنتم بهم، هذا هو الناموس الذي أنزل على عيسى. وأخرج البيهقي عن الحسن أن موسى سأل
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة