فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٨٥
لغة أول الظلام سميت به الصلاة لفعلها حينئذ (والصبح) بضم الصاد لغة أول النهار سميت به الصلاة لمثل ما ذكر ثم وجه ذلك بقوله (لا يستطيعونهما) أي فإنما نحن نستطيع فعلهما بنشاط وانبساط فلا كلفة علينا في حضور المسجد لصلاتهما جماعة وأما هم فثقيلتان عليهم فلا يستطيعون فعلهما بخفة ونشاط كما يوضحه حديث الشيخين: " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والصبح " وذلك لأن العشاء وقت استراحة والصبح وقت لذة النوم صيفا وشدة البرد شتاء وأما المتمكنون في إيمانهم فتطيب لهم هذه المشقات لنيل الدرجات لأن نفوسهم مرتاضة بأمثالهما متوقعة في مقابلة ذلك ما تستخف لأجله المشاق وتستلذ بسببه المتاعب لما تعتقده في ذلك من الفوز العظيم بالنعيم المقيم والخلاص من العذاب الأليم، ومن ثم كانت قرة عين المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ومن طاب له شئ ورغب فيه حق رغبته احتمل شدته بل تصير لذته ولم يبال بما يلقى من مؤنته. ومن أحب شيئا حق محبته أحب احتمال محنته حتى إنه ليجد بتلك المحنة ضروبا من اللذة. ألا ترى جاني العسل لا يبالي بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل؟ والأجير لا يعبأ بارتقاء السلم الطويل مع الحمل الثقيل طول النهار لما يتذكر من أخذ الأجرة بالعشي؟ والفلاح لا يتكدر بمقاساة الحر والبرد ومباشرة المشاق والكد طول السنة لما يتذكر من أوان الغلة فكذا المؤمن المخلص إذا تذكر الجنة في طيب مقيلها وأنواع نعيمها هان عليه ما يتحمله من مشقة هاتين الصلاتين وحرص عليهما بخلاف المنافق. وأفاد قوله في حديث الشيخين:
" أثقل " أن الصلوات كلها ثقيلة على المنافقين قال تعالى: * (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) * وأن بعضها أثقل من بعض. واعلم أن المنافق يصلي: لكن من حيث العادة لا القيام بالعبادة فهو لما أضمره في نفسه من كراهة الصلاة لا يرائي بها بل يصليها في بيته (تنبيه) قال بعض العارفين لزوم الصبح في جماعة يسهل أسباب الدنيا الصعبة والعصر والعشاء فيها يورث الزهد ويقمع النفس عن الشهوات ويصحح الاعتقاد مع ما فيه من سلوك الأدب مع الله حال قسمته أرزاق العباد فإنهم تقسم أرزاقهم المحسوسة بعد الصبح والمعنوية بعد العصر والعشاء (ص) وكذا البيهقي في الشعب (عن) أبي محمد (سعيد بن المسيب مرسلا) بفتح المثناة تحت ويجوز كسرها كما في الديباج والأول أشهر وهو رأس التابعين ورئيسهم وعالمهم وفردهم وفقيههم. قال مكحول: طفت الأرض فما لقيت أعلم منه، وقد أفردت مناقبه بالتأليف وهذا الحديث إسناده صحيح.
27 - (آيتان) تثنية آية وهو مبتدأ والخبر قوله (هما قرآن) أي من القرآن (وهما يشفيان) المؤمن من الأمراض الجسمانية والنفسانية بمعنى أن قراءتهما على المريض بإخلاص وهمة صادقة وقوة يقين تزيل مرضه أو تخففه. قال تعالى: * (وننزل من القرآن ما هو شفاء) * (وهما مما يحبهما الله) القياس وهما مما يحبه الله ولعل التثنية من بعض الرواة وهما (الآيتان) فهو خبر مبتدأ محذوف ويجوز جعله بدلا مما قبله (من آخر) سورة (البقرة) ومن بيانية أو للتأكيد ولجلالتهما ومحبته لهما أنزلهما من كنز تحت العرش. وروى ابن الضريس وغيره عن ابن المنكدر مرفوعا أنهما " قرآن ودعاء ويدخلن الجنة ويرضين
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة