فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٨٤
مفسدة (و) الثالثة (إذا ائتمن) بصيغة المجهول أي جعل أمينا وفي رواية بتشديد التاء بقلب الهمزة الثانية واوا وإبدال تاء والإدغام (خان) في أمانته أي تصرف فيها على خلاف الشرع ونقص ما ائتمن عليه ولم يؤده كما هو، وصح عطف الوعد على ما قبله لأن إخلاف الوعد قد يكون بالفعل وهو غير الكذب الذي هو لازم التحديث فتغايرا أو جعل الوعد حقيقة أخرى خارجة عن التحديث على وجه الادعاء لزيادة قبحه كما في عطف جبريل على الملائكة بادعاء بأنه نوع آخر لزيادة شرفه قال:
فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال وخص هذه الثلاث لاشتمالها على المخالفة في القول والفعل والنية التي هي أصول الديانات فنبه على فساد القول بالكذب وفساد الفعل بالخيانة وفساد النية بالخلف وليس يتجه عليه أن يقال هذه الخصال قد توجد في المسلم والإجماع على نفي نفاقه الذي يصيره في الدرك الأسفل لأن اللام إن كانت للجنس فهو إما على منهج التشبيه والمراد أن صاحبها شبيه بالمنافق متخلق بأخلاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه أو الإنذار والتخويف أو الاعتياد والاضطرار ومصيره ديدنا وخلقا كما يؤذن به حذف المفعول من حدث لدلالته على العموم فكأنه قال إذا حدث في كل شئ كذب فيه وإن كانت للعهد فذلك في منافقي زمن النبي صلى الله عليه وسلم عموما حدثوا بإيمانهم فكذبوا ووعدوا في نصر الدين فأخلفوا وائتمنوا في المال فخانوا، أو منافق خاص وذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا بما يكره بل يستر فيقول: " ما بال أقوام يفعلون كذا " ونحو ذلك أو يقال النفاق ضربان شرعي وهو إبطان الكفر وإظهار الإيمان وعرفي وهو أن يكون سره خلاف علانيته وهو المراد هنا. قال الكرماني وتبعه ابن حجر.
وأحسن الأجوبة حمله على النفاق العملي (حكى) أن رجلا من البصرة حج فجلس بمجلس عطاء بن أبي رباح فقال: سمعت الحسن يقول: من كان فيه ثلاث خصال لم أنحرج أن أقول إنه منافق. فقال له عطاء: إذا رجعت إليه فقل له: عطاء يقرئك السلام ويقول لك: ما تقول في أخوة يوسف إذ حدثوا فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا أكانوا منافقين؟ ففعل فسر الحسن وقال: جزاه الله خيرا، وقال لأصحابه: إذا سمعتم مني حديثا فاصنعوا كما صنع أخوكم. حدثوا به العلماء فما كان صوابا فحسن وإذا كان غير ذلك فردوه علي. ثم إنه لا منافاة بين قوله: " ثلاث " وقوله في خبر يجئ: " أربع " بزيادة: " إذا عاهد غدر " فرب شئ واحد له علامات كل منها تحصل بها صفته شيئا وقد تكون العلامة واحدا وقد تكون أشياء أو أن الأربع ترجع إلى ثلاثة بإدخال " إذا عاهد غدر " في " إذا ائتمن خان " (ق) وكذا أحمد (ت ن) كلهم في باب الإيمان (عن أبي هريرة) زاد مسلم في روايته عنه عقب ثلاث: " وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم " أي وإن عمل أعمال المسلمين من صوم وصلاة وغيرهما من العبادات.
26 - (آية) بالتنوين (بيننا وبين المنافقين) نفاقا عمليا، وأطلق عليهم اسم النفاق مبالغة في التهديد على ترك حضور الجماعة (شهود) أي حضور أي ترك حضور جماعة (العشاء) بكسر العين والمد
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة