والباء للمصاحبة أو للملابسة ويظهر أن الأكمل كمال التسمية (أعوذ) أي أعتصم (بكلمات الله) كتبه المنزلة على رسله أو صفاته وقد جاءت الاستعاذة بها في خبر أعوذ بعزة الله وقدرته والتأنيث للتعظيم (التامة) الخالية عن التناقض والاختلاف (من غضبه) سخطه على من عصاه وإعراضه عنه (وعقابه) عقوبته (ومن شر عباده) من أهل الأرض وغيرهم (ومن همزات الشياطين) نزغاتهم ووساوسهم وأصل الهمز الحث ومنه همز الفرس بالمهماز ليعدو وشبه حث الشياطين على الإثم بهمز الراضة الدواب على المشي وجمعها باعتبار المرات أو لتنوع الوسواس أو لتعدد الشياطين (وأن يحضرون) أي يحومون حولي في شئ من أموري لأنهم إنما يحضرون بسوء وفي القاموس أن المصطفى صلى الله عليه وسلم فسر همزات الشياطين باللموم أي الجنون وفيه ندب التعوذ والذكر عند النوم، قال بعضهم: ومن فوائد هذه الاستعاذة أن المحافظ عليها لا يلدغه عقرب كما في حديث يأتي وقد أشير إلى بعضها في القرآن بقوله تعالى * (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين) * الآية (أبو نصر) محمد بن إسحاق (السجزي) بكسر المهملة أوله (في) كتاب (الإبانة) عن أصول الديانة (عن ابن عمرو) بن العاص وهو كما في الأصل من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
458 - (إذا أطال أحدكم الغيبة) في سفر أو غيره ومن قيد بالسفر فكأنه لم ينتبه لما نقله هو عن أهل اللغة الآتي على الأثر ومرجع الطول العرف (فلا يطرق) بفتح أوله وفي رواية للشيخين فلا يطرقن (أهله) أي لا يفجأ حلائله بالقدوم عليهم بالليل لتفويت التأهب عليهم. والطروق المجئ بالليل من سفر أو غيره من الطرق وهو الدق سمى الآتي بالليل طارقا لحاجته إلى دق الباب، قالوا: ولا يقال في النهار إلا مجازا فقوله (ليلا) للتأكيد دفعا لمجاز استعمال الطرق في النهار ولا ينافيه خبر البخاري عن جابر كنا في غزوة فلما قفلنا ذهبنا لندخل فقال صلى الله عليه وسلم أمهلوا حتى تدخلوا ليلا أي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة لأن الأمر بالدخول ليلا لمن علم أهله بقدومه فاستعدوا، والنهي لمن فاجأ قبل ذلك، وأفهم تقييده بالطول أنه لو قرب سفره بحيث تتوقع حليلته إتيانه فتتأهب أنه لا يكره. وبه جزم جمع منهم الطيبي وجرى عليه ابن حجر حيث قال: التقييد بطول الغيبة يشير إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ والحكم يدور مع علته وجودا وعدما فلما كان الذي يخرج لحاجة مثلا نهارا ويرجع ليلا لا يتأدى به له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة لم يكن مثله أه. فقول الزين زكريا: الطول ليس بقيد غير جيد كيف والحديث مصرح به والعلة تقتضيه. قال الطيبي: وكذا لو كان في قفل أو عسكر عظيم واشتهر قدومهم تلك الليلة لزوال العلة المقتضية للكراهة وهي عدم تأهب حليلته فيعافها وقول ابن حجر: أو يجدها على حالة غير مرضية والشرع أمرنا بالستر وعدم تطلب العثرات غير مرضي إذ على الإنسان شرعا وحمية وألفة ومروءة أن يتفحص عن أهل بيته فإن عثر على ريبة حرص على إزالة مقتضيها ولا يقول عاقل فضلا عن عالم فاضل أن الإنسان ينبغي له التغافل عن أهل بيته وإهمال