وفي المصباح هي اشتياق النفس إلى الشئ (الخفية) قالوا يا رسول الله وما الشهوة الخفية قال (العالم يحب أن يجلس) بالبناء للمفعول أي يجلس الناس (إليه) فإن ذلك يبطل عمله لتفويته الاخلاص وتصحيح النية فليس الشأن حفظ العلم بل في صونه عما يفسده كالرياء والعجب والتعاظم بإظهار علمه، وذلك سم وخيم وسهم من سهام الشيطان الرجيم، أخرج العلائي في أماليه عن علي كرم الله وجهه سيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم وسرهم علنهم يجلسون حلقا حلقا يباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه إذا جلس لغيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم إلى الله تعالى وقال كعب الأحبار سيكون في آخر الزمان علماء يتغايرون على العلم كما تتغاير النساء على الرجال يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس غيره أو أخذ عنه أولئك الجبارون أعداء الرحمن وفي تاريخ ابن عساكر عن ابن عيينة أن ربيعة بكى فقيل ما يبكيك قال رياء حاضر وشهوة خفية والناس عند علمائهم كغلمان في حجور أمهاتهم إن أمروهم ائتمروا وإن نهوهم انتهوا. قال الغزالي هذا هو الانتكاس على أم الرأس وفاعله الذي يقوم في العرض الأكبر مع المجرمين ناكسا رأسه عند ربه انظر كيف انتهى أمر الذين يزعمون التقرب إلى الله تعالى بالعلم يبذلون المال والجاه ويتحملون أصناف الذل في خدمة السلاطين لاستطلاق الجرايات ويتوقع المعلم في نفس المتعلم أن ينقطع إليه ويقتصر عليه ويقوم معه في كل نائبة وينصر وليه ويعادي عدوه وينهض حمارا له في حاجاته مسخرا بين يديه في أوطاره ومهماته فإن قصر غضب عليه وعاداه فاخسئ بعالم يرضى لنفسه بهذه المرتبة ثم يفرح بها ثم لا يستحي أن يقول غرضي من التدريس نشر العلم تقربا إلى الله تعالى انتهى. فهذا حال زمن الغزالي فلو رأى زماننا هذا قال البيهقي فعلى هذا ينبغي للعالم أن يكون فعله لوجه الله تعالى لا يريد أن يزداد من الناس جاها أو على أقرانه استعلاء أو لأضداده أقماء وأن لا يريد أن يكثر الآخذون عنه وإذا حضروا وجدوا أكثر من الآخذين عن غيره وأن لا يكون علمه أظهر في الناس من علم غيره بل يقصد أداء الأمانة بنشر ما عنده وإحياء معالم الذين وصونها عن الدروس (تتمة) قال ابن حجر وفيه إبراهيم بن محمد الأسلمي متروك.
248 - (احذروا الشهرتين) تثنية شهرة وهي كما في القاموس ظهور الشئ في سمعة حتى يشتهر للناس والمراد هنا اشتهار الإنسان بلبس (الصوف) بضم أوله (والخز) بفتح المعجمة الحرير أو نوع منه أي احذروا لبس ما يؤدي إلى الشهرة في الطرفين أي طرفي التخشن وهو الصوف والتحسن وهو الحرير فإنه مذموم مكروه والمراد ما فيه حرير أما الحرير المحض أو ما أكثره حرير فحرام على الرجل وهو أمر بالتباعد عن طلب الشهرة في اللباس وقد أمر الشارع بالتوسط بين التفريط والإفراط حتى في العبادة وفيه رد على من تحرى من الصوفية لبس الصوف دائما ومنع نفسه من غيره وألزمها زيا واحدا وعمد إلى رسوم وأوضاع وهيئات ويرى الخروج عنها منكرا وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يلبس ما وجد فلبس الكتان والصوف والقطن وما الهدي إلا هديه وما الأفضل إلا ما سنه وهو لبس ما تيسر من الوسط